ابحث عن اى شى ترنيمة - فيلم - عظة - اخبار المسيحين - اضطهاد المسيحيين هنا

بحث مخصص

Wednesday, March 31, 2010

الشهيدة ابوللونيا

روى لنا القديس ديونسيوس الإسكندري فى رسالة وجهها إلى فابيوس أسقف أنطاكية الآلام التي تكبدها الشهداء في الإسكندرية في عهد داكيوس (ديسوس)، جاء فيها: "لم يبدأ اضطهادنا بصدور الأمر الملكي (سنة 250 م)، بل سبقه بسنة كاملة. إن مخترع الشرور ومصدرها في هذه المدينة، أيا كان شخصه، سبق فحرّض جماعات الأممين وهيجها ضدنا، ونفث فيهم من جديد سموم خرافات بلادهم، وإذ هيجهم بهذه الكيفية، ووجدوا الفرصة كاملة لارتكاب أي نوع من الشر، اعتبروا أن أقدس خدمة يقدمونها لشياطينهم هي أن يقتلونا" (يوسابيوس 6: 41). عرض القديس ديوناسيوس أمثلة لبكور هذا الاضطهاد الذي تحقق عام 249، فتحدث عن استشهاد متراس Metras أو متريوس Metrius، وكوينتا Quinta المؤمنة وسرابيون وأيضًا العذراء المسنة أبوللوينا Apollonia ... حياتها التقوية عند مدخل باب الإسكندرية عاشت عذراء تقية متقدمة في السن من عائلة شريفة غنية، في محبتها لله عاشت منذ صبوتها في حياة تقوية محبة للعبادة والنسك والعطاء. إذ رقد والداها نذرت حياتها للبتولية، لتقضي كل أوقاتها للعبادة مع العطاء بسخاء للفقراء، وقد فضلت أن تقطن بمنزل بسيط خارج أسوار المدينة.... ففاحت رائحة المسيح الذكية في حياتها. وقوفها أمام الوالي إذ بدأ الضيق يحل بالمؤمنين في الإسكندرية، صار الوثنيون يقتحمون بيوتهم ويسحبونهم منها دون مراعاة للسن أو الجنس أو المركز، رأت أن تلتقي مع الوالي في فجر أحد الأيام تتحدث معه في صراحة عن هذه الجرائم البشعة! قضت ليلتها تصلي، وفي الفجر انطلقت إليه لا لإثارته ضدها، وإنما لترده عن شره ويراجع نفسه فيما يفعل. وإذ التقت بشجاعة قالت له بحزم وصراحة وأدب: "يا سيدي، كيف عملت هذه المظالم، وأتيت بهذا الدمار على من أنت مؤتمن عليهم لرعايتهم، دون أن تخاف إله الآلهة وملك الملوك، مشجعًا هذه الجرائم بغير فهم، قاتلاً عبيد الله؟!" عاتبها الوالي كيف تتحدث معه هكذا بهذه الجسارة محاولاً أن يهدئ من ثورتها، وإذ لم يستطع هددها بالموت إن لم تبخر للأوثان... فلم تبال بتهديداته. حملها الوالي إلى معبد وثن وسألها أن تسجد، فشعرت بقوة روحية تملأها، ثم رشمت علامة الصليب لتسقط الأصنام وتتحطم... صارت في هدوء عجيب تحدث جماهير المشاهدين عن السيد المسيح وعمله الخلاصي، فانجذب الكثيرون إلى حديثها الهادئ بينما قام البعض بضربها وإهانتها. إستشهادها بدأ الوالي يعذب هذه العذراء التقية وهو يعيرها، قائلاً: "أين هو إلهك الذي يقدر أن يعينك؟" محاولاً معها أن تتراجع عن رأيها وتخضع له. كان الوالي يمارس كل عنف، تارة يأمر ببتر بعض أعضائها، وأخرى بتكسير أسنانها وضربها بعنف على فمها حتى يسيل الدم. في وسط آلامها نسيت كل ما هو حولها لتركع تطلب عون عريسها السماوي، وقد سمع الحاضرون صوتًا سماويًا يقول: "لقد قبلت صلاتك يا عروس المسيح". أعدوا لها نارًا متقدة ثم أمروها بالعبادة للأوثان وإلا ألقوها في الأتون... أما هي فوقفت قليلاً حتى حسب الحاضرون أنها بدأت تتراجع وتعيد التفكير. لم يمض وقت طويل وكل الأنظار مسلطة عليها ماذا تفعل أمام النار، وإذا بها في هدوء وشجاعة تسير بنفسها نحو النار بأيد مبسوطة للصلاة، وتدخل وسط النار بإرادتها لتسلم روحها في يدّ مخلصها. يقول القديس أغسطينوس أنه لا يليق بأحد أن يسرع بنفسه إلى الموت لكن ما فعلته هذه القديسة كان بدعوة الروح القدس لها. أُقيمت كنائس ومذابح كثيرة باسم هذه القديسة التي استشهدت بالإسكندرية، ويحتفل الغرب بعيدها فى التاسع من فبراير.

القديسان ابوللو ويوحنا

يروي لنا القديس جيروم أنه التقى بقديس يدعى أبوللو الذي من أور (Or, Akur or Acre). قال عنه أنه كان في الأصل يعمل كحداد، وإذ تحول إلى طريق الرهبنة بقى يستخدم ذات المهنة لخدمة الإخوة الرهبان. ظهر له الشيطان وهو يمارس عمله في شكل امرأة تطلب أن تخدم الإخوة، فألقاها بقطعة حديد محماة بالنار، وللحال أحدث الشيطان صرخة عالية سمعها الإخوة ثم تلاشى. ويقول القديس جيروم أنه منذ هذه اللحظة صار يمسك الحديد المحمى بالنار ولا تحترق يداه. هذا الراهب استقبل القديس جيروم استضافه، وقد روى له بعض سير لأناس عاشوا معه في ذات المنطقة، من بينهم راهب عجيب يدعى يوحنا. يوحنا هذا عاش في نفس البرية، وكان شيخًا متقدمًا في الأيام جدًا، وقد فاقت أعماله النسكية كل بقية أعمال الرهبان. لا يمكن لأحد أن يجده بسهولة، إذ كان يتجول كثيرًا من منطقة إلى أخرى في البرية. في بداية حياته وقف يصلي ثلاثة أعوام يختطف بعض النوم وهو واقف، لا يأكل شيئًا سوى التمتع بالتناول من الأسرار المقدسة من الأحد إلى الأحد. دفعة ظهر له الشيطان في شكل كاهن يدفع إليه امرأة (ربما ليصلي لها)، فعرفه، وقال له: "ابتعد أيها المملوءة من كل غش، أب كل البهتان، وعدو كل بر! أما تكف عن العمل لخداع نفوس المسيحيين؟ كيف تتجاسر وتطأ الأسرار المقدسة؟" عندئذ قال له الشيطان: "بقى القليل جدًا وأَسود عليك في سقوطك، فإنني كثيرًا ما أغويت إنسانًا حتى أخرجته من عقله فصار مجنونًا، ولكن إذ طلب عنه قديسون من الله في صلواتهم عاد إلى عقله"، وإذا قال الشيطان هذا رحل. أصيبت قدمي الطوباوي بسبب كثرة وقوفه..... فاقترب منه ملاك، وقال له: "سيكون الرب هو طعامك، والروح القدس شرابك، يكفيك هذا الغذاء الروحي". وإذ شفى جراحاته أمره أن يرحل من هذا الموضع إلى البرية يقتات على الأعشاب، ويأتي كل يوم أحد ليشترك في القداسات. أراد إنسان مصاب بالفالج أن يذهب إليه ليشفيه، وإذ لمست قدماه ظهر الحمار قبل أن يغادر المكان ولا حتى يصلي له الطوباوي يوحنا شُفي بالإيمان. روى لنا أيضًا، أن الطوباوي يوحنا أرسل بركة (طعامًا) للمرضى، وإذا أكلوا الطعام للحال شفوا من أمراضهم. مرة أخرى إذ أُعلن له عن بعض الإخوة الذين من ديره أنهم غير مستقيمين في حياتهم وأعمالهم كتب رسالة للجميع، فشكا فيها الشيوخ لإهمالهم والإخوة لتملقهم، وقد كان ذلك حقًا. كتب للآباء المهملين الذين استخفوا بخلاص الإخوة الذين معهم، وأيضًا للأخوة كي يصلحوا حياتهم وأن تكون أعمالهم فاضلة. لقد أعلم لهم أيضًا كيف تكون المكافأة أو الجزاء للفريقين... يقول القديس جيروم أن القديس أبوللو روى له ذلك عن هذا الطوباوي يوحنا وأيضًا، روى له أمورًا أخرى لم يسجلها، ليست لأنها غير حقيقية، وإنما لأن الكثيرين ينقصهم الإيمان لقبولها.

القديس ابوللو والقديس أبيب

حياتهما:
تمثل قصة الصداقة الروحية الحقة، حيثُ يلتقي الاثنان معًا في حبهما للرب، وميلهما للتأمل، وعشقهما للملكوت. يمارسان الصداقة في أعمق صورها لبنيان النفس.

نشأة أبوللو:
عاش والدا أبوللو إمان وزوجته إيتي في مدينة بانوبوليس الكبرى (حاليًا أخمين)، وكانا يسيران بخوف الله محبين لزيارة الأديرة، ولم يكن لهما ابن. رأت إيتي كما في حلم إنسانًا بهيًا يحمل نبتًا صغيرًا في يده غرسه في منزلها، أزهر ثم قدم فاكهة. قطفت إيتي من الثمر وأكلت فوجدته حلوًا للغاية، عندئذ قالت في الحلم: "ربما أُرزق بطفل تكون له لذة مشابهة لمذاق هذه الفاكهة". روت إيتي الرؤيا لرجلها ومّجد الاثنان الله. وازداد في تقواهما ومحبتهما لله، خاصة الصلاة، فكثيرًا ما كانت تقوم إيتي في منتصف الليل تسبح الله، كما تقضي أوقاتًا طويلة في النهار تصلي. وأخيرًا وهبها الله الطفل (أبوللون)، الذي تربى بفكر إنجيلي في حياة تقوية، وقد نشأ محبًا لحياة البتولية مشتاقًا للرهبنة... وكان له صديق حميم يدعى أبيب، ارتبطا معًا في الفكر، وتلاقت اشتياقاتهما الرهبانية معًا.

نشأة أبيب:
كان مثل أبوللون تقيًا من حداثته، يمارس الحياة النسكية، محبًا لافتراش الأرض، ميّالاً لحياة الوحدة يقضي وقته في دراسة الكتاب المقدس والتأمل مع الصلاة. كان والده يوبخه، سائلاً إياه إلا يكرس كل وقته للعبادة حتى يقدر أن ينال مركزًا مرموقًا في المجتمع كإخوته، فكان يتقبل التوبيخ في هدوء داخلي وصمت. كان والده وإخوته يتعجبون فيما بينهم على رقة أحاسيسه وهدوئه العجيب بالرغم من تظاهرهم بتوبيخه. اشتد المرض جدًا بالوالد وكان قد غضب من ابنه بسبب ميله للوحدة والعبادة، فأصر الأبناء أن يلتقي الوالد بأخيهم، وإن كانوا قد خشوا من ثورة أبيهم على أبيب وسط مرضه الشديد. بالفعل جاء أبيب وكله حياء وهدوء، وإذ ناداه والده، قال للابن: "صلِ يا بني إلى الرب لكي لا يحاسبني على ما سببته لك من أحزان وضيقات، لقد كنت أنت تطلب الله وحده، أما أنا فكنت أسلك بأحاسيس بشرية"، وكان الأب ممسكًا بيدي ابنه مجهشًا بالبكاء. جمع الأب أولاده ليشير إلى أخيهم أبيب، وهو يقول: "من الآن هذا هو أبوكم ومعلمكم، اسلكوا بضمير حيّ حسبما يقول لكم، وها أنتم ترثون أملاكي كما أوصيت لكل واحد منكم". تأثر الأبناء جدًا وتجلت الأبدية أمام أعينهم بينما كان والدهم يسلم الروح، عندئذ استلم أبيب الميراث ووزعه عليهم أما نصيبه فقدمه للفقراء. إذ صار أبيب حرًا انطلق مع صديقه أبوللون إلى أحد الأديرة، حيث سكن كل منهما في قلاية منفردة يمارسان حياة الاتحاد مع الله (الواحدة) والنسك بفكر روحي إنجيلي.

حياتهما الديرية:
عاش كل منهما في قلاية، يلتقيان من وقت إلى آخر ليسندا بعضهما بعضًا في الرب، وإذ مرض أبيب واشتد به المرض، أسرع إليه أبوللون ليساعده في مرضه، في بشاشة وسط الآلام القاسية اعتذر أبيب لأبوللون قائلاً له: "اتركني يا أخي بمفردي مع الرب، وعندما تحين ساعتي أناديك". امتلأت عينا أبوللون بالدموع وهو ينسحب من قلاية أخيه مدركًا أنه يفقد سندًا له في جهاده وأخًا معزيًا له، لكن إدراكه للملكوت وثقته في صلوات أخيه عنه في الفردوس ملأته تعزية. أرسل إليه أبيب يستدعيه، وإذ دخل قلايته سمعه يقول بصوت خافت: "آه، أسرع، تعال سريعًا، إلى اللقاء في الفردوس!" ولم يجد أبوللون فرصة إلا ليقبله فيجد نفس أخيه منطلقة، وكان ذلك في 25 أبيب. هنا يليق بنا أن نقف قليلاً أمام هذا الحدث الأخير، فكلنا يدرك مدى حاجة الإنسان إلى محبيه في وقت المرض، خاصة إذا اشتد وشعر أنه مرض الموت... لكن القديس أبيب وقد أُمتصت كل مشاعره في الرب، وارتفع قلبه الملتهب حبًا نحو عريسه السماوي لم يعد يشعر بحاجة إلى شيء وسط المرض الشديد. لقد أحب أخاه أبوللون جدًا، واشتاق أن يراه قبل أن يعبر هذه الحياة، لكنه لا يريد أن يشغل أخاه في لحظاته الأخيرة عن تأملاته في الرب وسط مرضه.

في تل الشمس المشرقة:
صار أبوللون وحيدًأ، فترك قلايته وانطلق إلى تل أبلوتزا Eblutz (الشمس المشرقة)، حيث اشتم الناس رائحة المسيح الذكية فيه، فكانوا يقبلون إليه يطلبون بركته وإرشاده. وكان كثيرًا ما يحدثهم عن أخيه المحبوب أبيب. قيل أنه في ذكرى نياحة القديس أبيب، قال أخوه أبوللون: "إن من يصلي للسيد المسيح اليوم طالبًا صلوات القديس أبيب يُستجاب له"، فتشكك البعض بسبب كثرة حديثه عنه... ولكن إذ رقد أحد الرهبان في ذات اليوم ذهب الكل إلى جثمانه لينالوا بركته، فجأة قام الراهب ووبخ المتشككين في كلمات القديس أبوللون بلطف ثم عاد فرقد، فامتلأ الكل من مخافة الله. عاش القديس أبوللون في عصر القديس مقاريوس المصري الذي كان يشعر دائمًا برغبة في الاستماع إليه... وقد كتب القديس مقاريوس رسالة له وللرهبان، فعلم أبوللون بالروح وأخبرهم بذلك، وبالفعل وصلت رسالته بعد ذلك. تنيح القديس أبوللون في شيخوخة صالحة، بركة صلواته تكون معنا آمين.

القديسان ابوللو وآمون

يروي لنا القديس جيروم لقاءه مع القديس أبوللو، قائلاً: [ رأينا أيضًا كاهنًا آخر يدعى أبوللو، عاش في طيبة على حدود هرموبوليس (الأشمونين)، الموضع الذي جاء إليه مخلصنا مع مريم ويوسف حيث تحققت كلمة إشعياء القائل: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه وتسقط من أرضا" (إش 19: 1). وقد رأينا بيت الأوثان الذي فيه انكفأت الأوثان على وجوهها على الأرض عندما جاء مخلصنا إلى المدينة. علاوة على ذلك رأينا ذلك الرجل الذي سكن البرية كأب لخمسمائة راهب يعيشون في الأديرة القائمة عند سفح الجبل، وكان معروفًا جدًا في كل منطقة طيبة، يمتاز بفضائل الحياة النسكية السامية، وقد وهبه الله صنع آيات وعجائب عظيمة ].

حياته الديرية:
كان أبوللو في شبابه المبكر يزور الرهبان المقيمين عند طرق الصحراء المجاورة، فالتهب قلبه بالحنين نحو هذه الحياة الملائكية على مستوى سماوي، فهجر العالم ورحل إلى الدير ليقضي أربعين عامًا يمارس حياة ديرية هادئة. يروي لنا القديس جيروم كيف سمع أبوللو صوتًا سماويًا يدعوه لتأسيس دير، قائلاً له: "أبوللو، إني سأبيد حكمة حكماء مصر بيديك، وأنزع الفهم الذي هو ليس فهمًا عن أغبياء الأمم، فإنك لحسابي تقدم حكماء بابل وتنزع خدمة الشياطين. اخرج سريعًا إلى البرية، في المنطقة القريبة من سكنى البشر، فستلد لي شعبًا مقدسًا يتمجد بالأعمال الصالحة". وإذ خشى أبوللو من الكبرياء أجاب الصوت في صراحة: "أنزع عني يا سيدي الكبرياء، لئلا أتشامخ على الإخوة، وأفقد كل بركة". فتحدث معه الصوت ثانيةً، طالبًا منه أن يضع يده على عنقه ليمسك بشيء قبيح ويدفنه في الرمل، وإذ فعل ذلك سمع صوتًا يخرج من هذا الكائن المدفون، يقول "أنا هو روح الكبرياء"... وللمرة الثالثة سمع الصوت السماوي يقول: "اذهب وما تسأله من إلهك يُعطى لك". هذه الرؤيا أو هذا الحدث إنما يكشف عن اهتمام آبائنا بخلاص نفوسهم، فيخشون السقوط في الكبرياء إن تسلموا عملاً قياديًا حتى وإن كان بدعوة سماوية... لكن هذا الخوف لا يقف عقبة عن العمل، ولا يقلل من غيرتهم في الخدمة وجهادهم الرعوي. إذ سمع الطوباوي ذلك للحال ذهب إلىShaina حيث أقام في مغارة، وكان يقضي يومه في الصلاة، قل كان يصلي مائة مرة في اليوم مع مطانيات كثيرة كما قال القديس جيروم.
من جهة الطعام فلم يكن يهتم بذلك، إذ كان الله يرسله له بواسطة ملاك في البرية. وكان يغطي جسده بثوب قصير الأكمام ورأسه بمنديل صغير لم يغيرهما ولا بليا قط. وهبه الله عمل عجائب وأشفية يصعب الحديث عنها، سمع عنها القديس جيروم من الشيوخ الساكنين معه والكاملين ومن الرؤساء ومدبري الإخوة. كان كنبي جديد أو رسول في جيله. وإذ ذاع صيته في كل موضع جاء إليه الرهبان كما إلى أب حقيقي وقدموا أنفسهم له، فكان يحثهم على الحياة النسكية السامية، حتى صار بعضهم يتمتع برؤى إلهية وآخرون بأعمال روحية مجيدة. أكل معهم في الآحاد، لكنه لم يأكل قط خبزًا ولا قطاني ولا فاكهة أو شيئًا معدًا على النار إنما أكل أعشابًا من الأرض.

في سجن بابليون بمصر القديمة:
بدعوة إلهية انطلق أبوللو من الصعيد إلى بابل ليقف مع بعض الإخوة عند راهب سجين أُلقي القبض عليه - في عهد يوليان الجاحد ? ليُضم للخدمة العسكرية، وكان القديس يعزيه على احتمال التجارب وألا يفقد سلامه أو رجاءه... وإذ سمع السجان ذلك انطلق إلى رئيس السجن ليقول له بأن الزائرين يريدون إخراج الراهب السجين، فثار رئيس السجن جدًا، وأمر بغلق الأبواب وختمها وتشديد الحراسة، قائلاً: "هؤلاء أيضًا يصلحون في الخدمة العسكرية"، وانطلق إلى بيته لينام غير مبال بتوسلات الإخوة له، وفي منتصف الليل ظهر ملاك الرب حاملاً سراجًا مضيئًا أضاء السجن كله بلمعان شديد أدهش الحراس، فتوسلوا إليهم أن يخرجوا من السجن سريعًا، وانفتحت الأبواب أمامهم، قائلين في أنفسهم: "خير لنا أن نموت نحن عنهم عن أن نتجاهل الحرية التي وهبها الله لأناس سجنوا هكذا ظلمًا". ولما جاء رئيس السجن والأشراف الذين معه في الصباح إلى السجن ألّح على الإخوة أن يرحلوا عن المدينة لأن زلزالاً حدث حطم بيته ودفن أسرته، وإذ سمع الإخوة ذلك مجدوا الله بصوت عال، وعادوا إلى البرية متهللين.

اهتمامه بخلاص الإخوة:
يصف القديس جيروم حياة الإخوة الذين تحت رعاية هذا الأب كما شاهدها: [عاش هؤلاء الإخوة معًا على مثال الرسل، بفكر واحد ونفس واحدة، وكان الطوباوي ينصحهم يوميًا أن ينموا في الأعمال المجيدة، وأن يطردوا بسرعة وفي الحال دون انتظار حيل المفتري التي يثيرها في الأفكار، إذ يقول: "إذ يُسحق الشيطان رأس الحية يموت كل جسمها، لذا ينصحنا ربنا أن نحذر رأس الحية. التي هي هذه: "إننا ليس فقط نحذر الأفكار الدنسة الفاسدة ألا تتسلل إلى أفكارنا، وإنما نحذر أيضًا التخيلات البغيضة التي يبعثها في آذهاننا (أي نحذر الأفكار الخارجية التي تتسلل إلينا والأفكار النابعة من داخلنا). جاهدوا بغيرة وحماس فيمتثل كل واحد منكم بغيرة في ممارسة الأعمال النسكية، ولا يكون بينكم من هو أقل من أخيه في السمو (إذ يكون الكل دائم النمو). هذه هي العلامة أنكم تبلغون مجد الأتعاب النسكية إن كنتم تحفظون أجسادكم من أهواء الشهوات. بداية عطية الله هي أن يطلب الإنسان من الله أن يعلن سماته فيه، فلا يفتخر أو تتعال أفكاره كأنما هو أسمى من غيره، لئلا يصير أشبه بمن يحسب نفسه أهلاً لهذه النعمة من عندياته فيفقد النعمة الإلهية..." لدى هذا الرجل كنز ثمين للتعاليم العظيمة في عقله، سمعناها منه في مناسبة أخرى، ولكن أعماله أسمى من تعليمه. كل ما يسأله من الله يُوهب له، وقد تمتع برؤى... رأى في حلم أنه قد صار متشبهًا بالرسل، وقد منحه الله ميراث المجد، فصار يسأل الله أن يهبه الرحيل من العالم سريعًا ليسترح معه في السماء، فقال له مخلصنا: "يلزم لأبوللو أن يعيش على الأرض مدة أطول قليلاً، حتى يصير كثيرون كاملين خلال غيرتهم من أعماله، فقد أُعد ليدير أمة عظيمة من الرهبان والسالكين بالبر، فينال مجدًا يليق بتعبه..." خلال تعليمه الغزير وممارساته النسكية العديدة صار غريبًا عن العالم، وقد نمى رهبان الدير الذي في الجبل وبلغوا خمسمائة شخصًا جاءوا يعيشون معًا، في حياة الشركة، يأكلون على مائدة واحدة، وبالحق كانوا يظهرون كملائكة، وكانوا أشبه بعمال مزينين بحليّ ملوكي يرتدون زيًا أبيض. بهذا تحققت كلمات الكتاب المقدس "تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر" (إش 35: 1)، وأيضًا "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، لأن بني المستوحشة أكثر من بني البعل" (إش 54: 1). وتحققت كلمة النبي عن كنيسة الأمم. وكملت خلال برية مصر، لأن أبناء الله صاروا أكثر عددًا من الذين يستقرون في الأرض وينشغلون بالناس. فإنه في كثير من مدن مصر كانت مجامع الرهبان تزداد أكثر حتى من الذين اقتربوا إلى الله في الصحراء].

غيرته على خلاص الكل:
يروي لنا القديس جيروم عن هذا القديس أنه إذ كان سائرًا مع بعض الإخوة في إحدى القرى المصرية شاهد من بعيد جموع الوثنيين قد اجتمعت حول معبد وثن وكانوا يرقصون على ضفة النيل ويمارسون الألعاب الشيطانية... للحال ركع على الأرض وصلى لمخلص الكل، وإذ بالجماهير قد توقفت كما لو رُبطت بحبال، وصاروا هكذا بلا حراك تحت حرارة الشمس الحارقة... وإذ تساءلوا عن سبب ما حلّ بهم عرفوا أن ذلك بفعل صلاة القديس. سألوه أن يصلي لأجلهم، فانحلت رباطاتهم وتركوا العبادة الوثنية، وآمنوا بالمخلص رب الكل صانع العجائب، وانضموا إلى الكنيسة، بل وترهب عدد كبير منهم في ديره، خلال ابتسامته الجذابة ونعمة الله الحالّه عليه وعمل كلمات النعمة الخارجة من فيه. انتشر هذا الخبر خارج القرية، وجاء كثير من الوثنيين من قرى أخرى يطلبون اللقاء معه، فكان يحدثهم عن محبة الله الفائقة والتجسد الإلهي، مجتذبًا كثيرين منهم للإيمان.

بشاشته:
قيل عنه أن وجهه كان دائم البشاشة، مجتذبًا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة في الداخل، ومشبعة للقلب بالرب نفسه. كثيرًا ما كان يردد القول: "لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة، أما الأبرار والقديسون فبالأحرى أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيًات".

ربحه نفس رئيس عصابة:
إذ تشاجرت قريتان معًا حول بعض الحقول أسرع الطوباوي ليلقي بذار السلام بينهما، وكان رجال أحد القريتين لا يريدون الإنصات لكلماته، إذ كانوا يحتمون في رئيس عصابة لصوص. التقى بهذا الرجل الذي جاء إليه محتدًا، أما القديس فلاقاه بجرأة مع بشاشة عذبة وحلاوة حديث، قائلاً له: "إن قبلت كلماتي يا حبيبي أطلب عنك من ربنا ليغفر لك خطاياك". وإذ سمع الرجل ذلك ألقى سلاحه بغير تردد، وركع أمام القديس، وسأل تابعيه أن يرجعوا إلى منازلهم. وإذ حلّ السلام بين القريتين ورجع كل إنسان إلى موقعه، صار هذا الرجل ملاصقًا له يتوسل إليه أن يحقق ما وعد به، فأخذه معه في البرية وكان يصلي لأجله ويطلب منه الصبر، قائلاً له: "الله قادر أن يهبك هذا الأمر". بالليل رأى القديس وقاطع الطريق حلمًا واحدًا، إنهما واقفان أمام عرش الله في السماء، والملائكة والأبرار يعبدون الله، وإذ سجدا أمام السيد المسيح سمعا صوتًا يقول: "أية شركة للنور والظلمة؟، وأي اتفاق للمؤمن مع غير المؤمن؟" (2كو 6: 14-15). فلماذا إذن يقف هذا القاتل مع البار، إذ هو غير مؤهل لهذه الرؤيا؟ ولكن اذهب يا إنسان (أبوللو)، فإن هذا الصغير بين أبنائك إذ التجأ إليك يخلص أيضًا بسببك"، وقد رأيا وسمعا أمورًا لا ينطق بها. إذ استيقظا قص الأثنان حلمهما لمن حولهما، والذين سمعوا دهشوا كيف يروي اثنان حلمًا واحدًا بعينه... وقد بقى رئيس العصابة في الدير يمارس الحياة النسكية السامية حتى لحظات رحيله من العالم...
يعلق القديس جيروم على هذه القصة المعاصرة له، قائلاً: [تحول الذئب إلى حمل بسيط، فيه تحققت النبوة "يسكن الذئب مع الخروف... والبقرة والدبة ترعيان" (إش 11: 6-7]. انضمام أثيوبيين إلى ديره يقول القديس جيروم: [رأينا أيضًا أثيوبيين كانوا يعيشون مع الرهبان، وقد سمت حياتهم النسكية وتحقق فيها ما جاء في الكتاب: "كوش (أثيوبيا والنوبة) تسرع بيديها إلى الله" (مز 68: 31)].

بعض عجائبه:
روى لنا القديس جيروم أيضًا عنه القصص التالية:
1. حدث نزاع بين جماعة من الوثنيين والمسيحيين على حدود أراضِ زراعية، فجاء الطوباوي أبوللو يصنع سلامًا، لكن رئيس الوثنيين كان متعجرفًا وعنيدًا، إذ قال: "لن يكون هناك سلام بيننا حتى الموت". قال له الطوباوي: "ليكن الأمر ككلمتك، فإنه لن يموت أحد من الفريقين غيرك، ولا تكون الأرض قبرًا لك، بل بطون الوحوش المفترسة". وبالفعل وُجد الرجل في الصباح ميتًا وقد مزقت الضباع والنسور جثته، وإذ عرف الوثنيون ذلك شكروا الله وآمنوا بالسيد المسيح، قائلين عن الطوباوي: "إنه بالحقيقة لنبي"!.
2. إذ اعتاد كثير من الرهبان أن ينطلقوا إلى البرية الداخلية ليمارسوا حياة الخلوة والتأمل بعيدًا عن الحياة الديرية، كل يقضي وقته في العبادة مع النسك الشديد ودراسة الكتاب المقدس والتأمل فيه، ويعود البعض إلى الدير ليحتفلوا بالبصخة المقدسة والآخر يبقى حتى عيد العنصرة. ففي إحدى المرات إذ عاد القديس إلى مغارته ومعه مجموعة من الرهبان وأقاموا القداس الإلهي، حان وقت الإفطار، فقال لهم: "يا أولادي إن كنا مؤمنين وخدامًا حقيقيين للمسيح يطلب كل منا من الله فيعطينا ما نأكله". ثم انحنى على ركبته وأخذ يصلي بإيمان، وإذ كان الوقت لا يزال ليلاً رأوا رجالاً غرباء لا يعرفهم أحد واقفين بباب المغارة، أحضروا عنبًا وتينًا وكمثرى وجوزًا ولوزًا وعسل نحل بأقراصه وصندوق لبن (زبدة)، وبلحًا كثيرًا مع خبز كان لا يزال ساخنًا؟؟؟. وقالوا بأن غنيًا بعثهم بهذه الأمور، ثم تركوهم ليرجعوا سريعًا. وقد بقي هذا الطعام يأكلون منه حتى عيد العنصرة، وهم متعجبين، قائلين: "حقًا هؤلاء قد أرسلهم الله إلينا".
3. بعد فترة قصيرة من المعجزة السابقة حدثت مجاعة في منطقة طيبة، فذهب عدد من المسيحيين بنسائهم وأطفالهم إلى الدير، وكان الطوباوي أبوللو يقدم الطعام بسخاء حتى لم يبق سوى ثلاث سلال تكفي يومًا واحدًا، والمجاعة لا تزال على أشدها. أخذ الطوباوي الخبز المتبقي ووضعه في وسط الإخوة والجماهير، وقال بصوت عالٍ: "أليست يد الله قادرة أن تزيد؟ لأنه هكذا قال الروح القدس: "لن ينفذ الخبز من هذه السلال حتى نأكل خبزًا جديدًا"، وبالفعل بقي الكل يأكل منه أربعة شهور تكرر الأمر بالنسبة للزيت والقمح وغيرهما، حتى ضجر منه الشيطان، فظهر له وقال: "أتظن أنك إيليا أم واحد من الأنبياء أو الرسل حتى تتجاسر وتفعل ذلك؟" أجاب الطوباوي: "لماذا لا أفعل هذا؟! ألم يكن الأنبياء القديسون والرسل الطوباويون بشرًا؟ ألم يسلم لنا الآباء هذا التقليد لعمل ذلك؟ أو لعل ربنا يكون قريبًا في وقت وبعيدًا في وقت آخر؟! الله قادر في كل الأزمنة أن يصنع مثل هذه الأمور، وليس شيء غير مستطاع لديه. إن كان الله صالحًا فلماذا أيها الفاسد أنت شرير؟".
4. "الآن أما أروي ما رأته أعيننا" يقول القديس جيروم، "فإن الخمسمائة أخ كانوا يأكلون من السلال، وبعدما يشبعون يجدونها ببركة الطوباوي لا تزال مملوءة.
5. أيضًا يروي القديس جيروم أنه إذ حضر ومعه إثنان من الإخوة، جاء إليهم الرهبان وقد عرفوهم من بعيد حسب الأوصاف التي سبق فأعلنها الطوباوي أبوللو لهم عن رحلة هؤلاء الرجال الثلاثة، وقد استقبلوهم بالفرح وتسابيح الحمد كعادة كل الإخوة. وإذ انحنوا بوجوههم حتى الأرض قاموا وأعطوا تحية السلام، وقال بعضهم لبعض: "انظروا فقد جاء الإخوة الذين كلمنا أبّا عنهم منذ ثلاثة أيام أنهم قادمون". أما الأب أبوللو فقد انحنى للضيوف حتى الأرض، وقام يقبّلهم وهو يصلي، وغسل أقدامهم بيديه وألزمهم أن يتناولوا طعامًا، فقد كانت هذه هي عادته مع كل من يزوره.  أورد جيروم حديثه معه عن حياة الفرح الروحي، وضرورة صوم يومي الأربعاء والجمعة، وارتداء ملابس بسيطة غير معثرة...
أخيرًا إذ انصرف القديس جيروم روى له أحد المودعين في الطريق عن قديس يدعى آمون كان ساكنًا في الدير، نترك الحديث عنه بمفرده.

نياحته:
قام بزيارته القديس بترونيوس أسقف بولونيا Bologne عام 393 م قبل نياحته، إذ رقد في الرب حوالي عام 395 م، وكان قد تعدى التسعين من عمره. كتب القديس جيروم سيرته العطرة، وأيضًا كتبها البابا الإسكندري تيموثاوس (22). تعيد له الكنيسة الغربية في 25 من يناير.

الراهب ابو ياسر بن القسطال

راهب عالم فاضل بدير في نواحي طرة، في القرن العاشر. كان مهتمًا بدراسة الكتاب المقدس والإصلاح الروحي للأقباط، فقد كتب كتابًا عالج فيه بعض الأخطاء الروحية والاجتماعية التي كانت سائدة في عصره، منها: 1. نادى بضرورة تعرف الخطيبين على بعضهما قبل الزواج حتى يقبل الواحد الآخر عن رضى ومحبة، وليس خلال الإلزام العائلي... فإن هذا يخفف الكثير من المشاكل العائلية. 2. أوضح أن الختان ليس فرضًا روحيًا، إنما هي عادة اجتماعية، ويمكن للمسيحي أن ينال المعمودية دون أن يختتن... وأن المعمودية هي الباب الوحيد الملزم لكل مؤمن. بسبب هذا الكتاب ثار الإكليروس والشعب عليه، وطرد من الدير إلى بستان بجوار الدير، قام بزراعته والاهتمام به. ولكن في أوائل العصر الأيوبي إذ صدر أمر بالاستيلاء على أوقاف الأديرة والكنائس اُستولى على هذا البستان. كان لأبي ياسر صديق يهودي مولع بالبحث الديني، فكانا يتناقشان معًا، وقد نجح أبي ياسر في كسب هذا اليهودي الذي نال المعمودية، وتعلم القبطية، وسيم شماسًا على كنيسة العذراء بحارة زويلة، حيث قضى بقية حياته باذلاً كل الجهد في خدمة الكنيسة.

القديس ابو نفر السائح

في دير الأشمونين التهب قلب الشاب أبو نفر بمحبة الله واشتاق للحياة التعبدية الهادئة فالتحق بدير بهرموبوليس (الأشمونين التابعة لمحافظة المنيا)، حيث كان بالدير حوالي مائة راهب يمارسون حياة الشركة، يتعبدون في صمت مع اهتمام بممارسة العمل اليدوي كجزء لا يتجزأ من العبادة. أحب أبو نفر الآباء الرهبان، وسلك معهم بروح التقوى والطاعة، لكن نفسه كانت تتوق إلى حياة الوحدة في البرية ممتثلاً بالقديسين يوحنا المعمدان وإيليا النبي. انطلاقه في البرية لم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى شعر بالتهاب قلبه نحو حياة الوحدة، وفي إحدى الليالي تسلل في سكون دون أن يشعر به أحد، إذ عرف مدى حب الرهبان له ورغبتهم في ألا يفارقهم. حمل رغيف خبز واحد وقليلاً من الخضروات تكفيه لمدة أربعة أيام، وانطلق نحو الجنوب وسط الجبال التي تفصل بين الصعيد الأسفل والواحات... وكان يصلي في الطريق طالبًا مشورة الله. إذ توغل في الصحراء رأى فجأة نورًا ساطعًا، لكنه رأى ملاكًا يقول له: "أنا ملاكك الحارس، لم أتركك منذ كنت في المهد، فلا تقلق بل تقدم إلى الأمام دائمًا فستبلغ الموضع الذي أعده الله لك". رافقه الملاك حتى بلغا مغارة واختفى، فقرع أبو نفر الباب قائلاً: "باركني؟؟" فظهر له رجل طويل القامة مهوب، فركع أمامه الشاب أبو نفر وقبّل قدميه، لكن الشيخ المتوحد أقامه من يده وقال: "يا أبا نوفر، أنت أخي في الرب. ادخل استرح بضعة أيام، ثم تتبع المسيرة التي أوحى لك بها الله". بعد أيام قليلة سار الشيخ معه لمدة أربعة أيام حتى بلغا مغارة بجانبها نخلة، وسكن الشيخ معه فيها لمدة شهر يدربه على حياة الوحدة ليتركه ويعود إليه مرة كل عام، حتى تنيح الشيخ في إحدى زياراته له. مع القديس بفنوتي قيل أن المتوحد بفنوتي اشتاق أن يدخل أعماق الصحراء، لعله يلتقي بأحد المتوحدين أو السواح، فأخذ قليلاً من المؤونة وانطلق في الصحراء لمدة سبعة عشر يومًا، وفجأة رأى القديس أبا نوفر السائح الذي كان له في البرية ما بين ستين وسبعين عامًا، كان شعره طويلاً غير مرتب ولحيته طويلة جدًا تتدلى على جسده، يتمنطق بحزام من الأوراق العريضة. رآه القديس بفنوتيوس فارتعب جدًا، وتسلق قمة تل قريب، وكانت عيناه شاخصتين نحو هذا الغريب، لكن الشيخ وكان منهك القوى صرخ، قائلاً: "انزل أيها الراهب القديس، إني أسكن هذا القفر من أجل محبة الله"... فالتقى الاثنان وقبّلا بعضهما قبلة السلام. جاء حديثهما معًا روحيًا وشيقًا، فيه أوضح أبونفر أنه أقام في الصحراء ستين عامًا يتجول في القفر ويتغذى على حشائش البرية وبلح النخلة دون أن يرى إنسانًا، وأنه قد احتمل في البداية الكثير من جوع وعطش وحر وبرد لكن الله نظر إلى ضعفه وسنده، كما أخبره أن كثيرين ممن يسكنون القفار يتمتعون بعطايا جليلة، حتى أن منهم من يُحملون إلى السماء لينظروا القديسين في مجدهم ويتهللون بفرح لا تعرفه الأرض... نسي القديس بفنوتي كل تعب خلال استماعه لحديث القديس السائح، وسار الاثنان إلى المغارة حيث بلغاها عند الغروب فوجدا على الصخر رغيف خبز وقليلاً من الماء.. نياحته يبدو أن القديس بفنوتي المتوحد لم يبق كثيرًا مع القديس السائح، إذ مرض أبو نفر فارتبك بفنوتي لكن القديس صار يطمئنه، موصيًا إياه أن يعود إلى مصر بعد تكفينه... وبالفعل أسلم قديسنا روحه الطاهرة. وقد شهد القديس بفنوتي أنه رأى ملائكة وسمع تسابيحهم عند رقاده. وقد قام بتكفينه، مشتهيًا أن يكمل بقية أيام غربته في المغارة، لكنه رأى النخلة قد يبست والينبوع قد جف، فبكى بمرارة وعاد ليمارس حياة الوحدة في ديره.

القديس ابو فانا

عاش القديس أبو فانا أو أبيفانيوس في أيام الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، حيث مارس حياة الوحدة في الصحراء الغربية غرب قرية (أبو صيرة) في مقاطعة الأشمونين، وسكن في كهف، وأغلق على نفسه يختلي... ومع تداريبه النسكية العنيفة لم يكن يكف عن ممارسته العمل اليدوي ليعطي الفقراء، كما اهتم بتعليم الإخوة، وقد وهبه الله عطية عمل المعجزات... بمعنى آخر امتزجت وحدته باتساع قلبه بالحب لله والناس. سجل لنا تلميذه أفرام عرضًا مختصرًا لحياته. حياته الرهبانية وُلد هذا القديس من أبوين مسيحيين، ربياه بمخافة الله ... فنشأ محبًا لحياة الخلوة والتأمل مع حنان ومحبة للمحتاجين. أقام وهو شاب بين الرهبان، وتدرب على الحياة النسكية مع العمل اليدوي لتقديم صدقة للمحتاجين... وإذ كان حبه للوحدة يتزايد انفرد في مغارة مظلمة، فوهبه الله، ينبوع ماء ليشرب منه... كان يتدرب على الصوم ليأكل مرة واحدة في كل يوم صيفًا، ومرة كل يومين شتاءً، مع اهتمام بحياة الصلاة الدائمة، وضرب 300 مطانية في النهار ومثلها بالليل... حتى لصق جلده بعظمه، وصار كخشبة محروقة... مركز روحي مع محبته الشديدة للعزلة من أجل الصلاة لم يغلق قلبه ولا مغارته عن اخوته، فتحول مسكنه إلى مركز إشعاع روحي. كان الشيوخ المقيمون في الجبل يأتون إليه، يسترشدون به، فيلهب قلوبهم بالشوق نحو الكمال المسيحي في الرب. نبوته بوفاة الملك رآه تلميذه أفرام حزينًا، وإذ سأله عن سبب حزنه أجابه بأنه اليوم طُلبت نفس الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير، وبهذا قد انحل رباط نظام الدولة... فسجل التلميذ التاريخ، وبعد زمن قصير نزل إلى العالم فعرف أنه ذات اليوم الذي توفي فيه الإمبراطور. أمثلة من معجزاته 1. أتى إليه كاهن قد أُصيب بمرض في رأسه، خلاله تقرحت هامته وظهر عظم رأسه، وإذ كان التلميذ أفرام يلح عليه ليخرج له ويصلي من أجله لم يلتفت إليه. وأخيرًا إذ صار التلميذ يلح أكثر أفهمه أنه قد دنس بيت الله بالزنا وأخذ النذور وأنفقها على شهواته، فليس له دالة أن يطلب له الشفاء من الله. وأخيرًا تحنن عليه، فأمر تلميذه أن يخرج إليه ويخبره بأنه إن أراد أن يبرأ من مرضه يعاهد الله ألا يعود إلى خدمة الكهنوت كل بقية أيام حياته، ويرجع عن سلوكه فيبرأ... وإذ تعهد الكاهن بذلك التقى به القديس وصار يصلي إليه فتماثل للشفاء حتى عاد سليمًا وبتوبة صادقة. 2. جاء رجل ومعه ابنه لينالا بركته، فسقط الابن من الجبل ومات، حمله الأب إلى مغارة القديس، ووضعه أمامه دون أن يخبره، وسأله أن يباركه، فرشم عليه علامة الصليب وقال له: "قم وامضِ إلى أبيك وامسك بيده"، فقام الولد حيًا وفرح والده وانطرح أمام القديس يشكره ممجدًا الله صانع العجائب بقديسيه. 3. علم القديس بيوم نياحته، فطلب من الكاهن الذي اعتاد أن يحضر ليقيم الأسرار المقدسة ليتناول أن يقيم القداس الإلهي... ثم تناول وهو واقف على قدميه اللتين تورمتا من كثرة الوقوف... وودع الإخوة وباركهم طالبًا بركتهم له، ثم رفع صلاة لله وأسلم الروح في يدي الرب في 25 من شهر أمشير. ديره بدلجا بُنيّ له دير على اسمه بجوار بني خالد من كفور دلجا في إقليم الأشمونين. تقع قرية بني خالد على بعد عشرين كيلومترًا جنوب قصر هور، أما دلجا قرية كبيرة على بعد عشرين كيلو متر جنوبًا... نبيل سليم: من ديارات الآباء (9)، القديس أبيفانيوس (أبو فانا) بجبل دلجا (ملحق بكتابه: من ديارات الآباء (8) القديسان أنبا بيشاي وأنبا بسنتاؤس بالطود.

ابو سعد منصور


من رجال القرن الحادي عشر. هو ابن أبي اليمن، وكان كاتبًا بليغًا وبطلاً شجاعًا، تولى الوزارة في أيام المستنصر، لكنه اضطر لتركها حينما طالب الجند الأتراك بمرتباتهم ولم يكن في الخزينة ما يسد مطالبهم. ولما تمرد كبيرهم ناصر الدولة على الخليفة قام أبو السعد بردعه على رأس الجند الموالين للخليفة، فقاتله وهزمه، وكان لجرأته وولائه أبعد الأثر في نفس الخليفة المستنصر الذي كان يحبه جدًا.

ابو سالم الملطي


من رجال القرن الثامن عشر. طبيب قبطي يدعى أبو سالم النصراني اليعقوبي الملطي، قيل عنه أنه كان قليل العلم بالطب لكنه كان أهلاً لمجالسة السلطان لفصاحته في اللسان الرومي، ومعرفته بسير الناس وسير السلاطين.

ابو زكريا يحيى بن مقاره


من رجال القرن الحادي عشر. كان إنسانًا حكيمًا، له وقاره وكلمته في ديوان الخليفة أيام بدر الجمالي. بحكمة عالج الخلاف الذي دبّ بين الأنبا خريستوذولس واسقف سخا.

Monday, March 29, 2010

ابو ذكري

في القرن الحادي عشر عُرفت أكثر من شخصية تحمل ذات اللقب: 1. الشيخ الرئيس صنيعة الخلافة أبو ذكري: تولى ديوان التحقيق، ثم ديوان النظر أي ديوان المراجعة على جميع الدواوين والأموال، في خلافة الحافظ... وقد بلغ درجة سامية. 2. الشيخ أبو ذكري بن أبي نصر: تولى خراج الأشمونين في خلافة الحافظ. وقد قام بتجديد دير المحرّق. ولما نقل إلى الفيوم جدد هناك كنيسة الشهيد أبي سيفين. 3. الرشيد أبو ذكري: كان كاهنًا على كنيستي السيدة العذراء والشهيد مارجرجس بحارة الروم.

ابو ذقن


يوسف أبو ذقن المنوفي، من كبار أراخنة الأقباط في القرن السابع عشر. وضع كتابًا بالعربية عن "التاريخ الحقيقي لأقباط مصر وليبيا والنوبة والحبشة"، موجود بجامعة أكسفورد، ترجم إلى اللاتينية عام 1675 م، والإنجليزية 1693 م، وطبع في هولندا عام 1740 م مع تعليقات للمستشرق جان نيكول... وللأسف لم ينشر بعد بلغته الأصلية (العربية) بين الأقباط حتى اليوم. في هذا الكتاب أوضح الآتي: شرح فيه حال الأقباط الروحية والاجتماعية وعاداتهم وطقوسهم الدينية في ذلك العصر. أفرد فصلاً خاصًا بالدفاع عن عقيدة الأقباط الأرثوذكسية، وقابل بين حالهم وحال اخوتنا الكاثوليك بأدب ولياقة بلا تجريح. كسب الأقباط ثقة المسلمين والحكام خلال أمانتهم ومحبتهم وخدماتهم، فشعروا بالأمان على أنفسهم وأولادهم وأموالهم، ارتبطوا بصداقة مع الحكام. قارن بين رهبان مصر في تقشفهم ودقة تدابيرهم الروحية بالنسبة للرهبان الأوربيين. أوضح أن شباب الأقباط وإن كانوا أقل علمًا من شباب الإفرنج لكنهم أكثر زهدًا، كما تمتعوا بمهارة في صياغة المجوهرات والصناعات والحرف المتعددة، والهندسة المعمارية والفلك والحساب. اهتمام الأقباط بتعليم أولادهم في المدارس الخاصة الملحقة بالكنائس، كما اهتموا بزيارة الأراضي المقدسة محتملين متاعب السفر ودفع ضريبتين، واحدة عند السفر والأخرى عند دخول المدينة المقدسة. القس منسي يوحنا، ص 472،

ابو اليمن يوسف

من رجال القرن الحادي عشر، هو أبو اليمن يوسف بن مكرواه بن زنبور، الشهير بأمين الأمناء. فقد عمل كأمين على خزائن الخليفة، ونظرًا لأمانته العجيبة سلمه مسئولية جميع خراج الوجه البحري. عبّر عن شكره لله ومحبته لاخوته ببناء دير عظيم بطموه ببر الجيزة، باسم دير الشهيد أبي سيفين (مرقوريوس). وقد غرس حوله بساتين، حتى كان الوزير بدر الجمالي يقضي أغلب أوقاته متنزهًا فيها.

ابو اليسرى

صانع أيقونات في القرن الحادي عشر. له أيقونة عن عماد السيد وميلاده بأعلى حجاب هيكل كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم.

ابو المليح

ابو المليح الشهير بمماتي، من رجال القرن الحادي عشر. كان في خلافة المستنصر ووزارة بدر الجمالي أمير الجيوش. اشتهر بالغنى وسعة الحال وصنعه للخير، ينطبق عليه قول المرتل "بدّد وأعطى المساكين" (مز 112: 9). أما سبب تسميته (مماتي)، فهي أنه لما اشتد الغلاء بمصر كان يجود بما عنده للمحتاجين، وكان بعض الأولاد الصغار لعلمهم بمحبته للكل يستعطفونه قائلين: (مماتي)، فكان يشفق عليهم ويهبهم غلالاً لدفع الجوع.

ابو الطيب


من رجال القرن الحادي عشر، كان كاتب سرّ ناصر الدولة زعيم الجنود الترك في أيام الخليفة المستنصر. إذ تمرد الترك على الخليفة وعاثوا فسادًا، نهبوا الأديرة وقبضوا على الأنبا خرستوذلس كرهينة مطالبين بفدية، فأسرع أبو الطيب وخلصه من أيديهم.

ابو المكارم

هو سعد الله بن جرجس بن مسعود، من رجال القرن العاشر، يعتبر من أفاضل القبط ومؤرخيهم، وضع كتابًا في تاريخ الأديرة والكنائس القبطية عام 925ش. اشترى جزءًا منه راهب كاثوليكي في القرن 17 يدعى فانسليب، آل بعد موته إلى مكتبة باريس الأهلية. وفي سنة 1893 م إذ وضع أميلينو كتابه "جغرافية مصر في عهد القبط المسيحيين" أشار إليه، وقام بتلر وافيتس بطبعه ناسبين إياه إلى أبي صالح الأرمني لوجود اسمه عليه، وهو في الغالب مقتنيه أو ناسخه، وقد وجد المتنيح القمص فيلوثاوس إبراهيم نسخة منه.

ابو الحسن الأمح


من رجال القرن الحادي عشر، كان كاتب سرّ الخليفة الحافظ، اتسم بالتقوى واهتم بتعمير الكنائس.

Thursday, March 25, 2010

ابو البركات


من رجال القرن الثاني عشر. هو ابن أبي الليث، كان رئيس ديوان المجلس، وشى به أحد الحاسدين إلى الخليفة بأنه يعطي مرتبات باهظة وأنه يختلس أموال الدولة، وأنه يحابي أقاربه، فلم يسمع الخليفة للوشاية، غير أنه قتل.

القديسان ابرآم وجاورجي

كتب لنا القديس أنبا زخارياس أسقف كرسي صا (صا الحجر بكفر الزيات)، في القرن السابع، سيرة هذين القديسين، وكانا معاصرين له.

نشأة أبرآم:
وُلد القديس أبرآم سنة 608 م، ونشأ في أسرة تقية محبة لله، كان والده محبًا للفقراء حتى إنه إذ حدث جوع بمصر قبل دخول الفرس عام 616 وزع كل أمواله ومحاصيله على الفقراء والمساكين، وباع منزله الكبير وسكن في منزل آخر صغير ليتصدق على المحتاجين. وإذ كان الغلاء شديدًا اضطر إلى توزيع ما لديه من أموال ومحاصيل زراعية مودعة لديه كأمانة واثقًا أن أصحابها ينتظرون عليه من أجل ما وصل إليه اخوتهم الفقراء، وأن الله لابد أن يتدخل. لكن أصحاب الودائع أرادوا استغلال المجاعة يطلبون ودائعهم، فقام وصلى للسيد المسيح الذي أرسل إليه قومًا آخرين قدموا له الكثير كأمانة لديه على أن يتصرف فيها إن لم يرجعوا خلال ثلاثة أيام .... فأعطى الأولين مالهم وبقى لديه فائض وزعه أيضًا، وكان يشكر الله ويسبحه من أجل رعايته لهؤلاء المساكين، حتى انتقل إلى السماء. إذ نزح الملك الفارسي خسرو الثاني إلى مصر عام 616 وبلغ الإسكندرية سبا الكثيرين، من بينهم والدة أبرام التي ظلت في سبي فارس حتى تمكن الملك هرقل عام 627 من هزيمة الفرس في موقعة وستكرد الإيراينة .... وفي عام 629 انسحب الفرس من مصر وعادت الأم القديسة إلى ابنها أبرآم، ويقال إنها رأت نجاتها في رؤيا قبل إعادة المسبيين. شيهيت التقت الأم بابنها التي حرمت منه قرابة 13 سنة ولم يكن لديها غيره .... وفرح الاثنان معًا، وكانا يشجعان بعضهما البعض في الحياة التعبدية التقوية .... وإذ بلغ الخامسة والثلاثين من عمره فاتح الابن أمه أنه مشتاق للحياة الرهبانية ليتدرب على يدّي آباء شيهيت، وكان يظن أن في هذا صدمة على أمه الأرملة .... لكنه فوجئ أن تكشف له إنها وإن كانت فكرت في تزويجه بفتاة تقية ليعيشوا معًا، خاصة بعد هذا الفراق الطويل الذي احتملته لكن أبديته أهم وأفضل .... وأخذت تشجعه ألا يتراخى في الطريق، وأنها تسنده بالصلاة ليتمم جهاده. لم يصدق أبرآم نفسه، لكن الأم أكدت له أن ما تفعله إنما هو من واقع الأمومة والمحبة لسعادة ابنها وبنيانه الروحي .... وإنها تقدمه قربان حب لله. انطلق القديس أبرآم إلى الأنبا يوأنس قمص شيهيت يطلب قبوله تلميذًا له، فأعطاه "قلاية" وكان يدربه على حياة الطاعة والنسك الإنجيلي مع دراسة الكتاب المقدس وحفظ المزامير. عكف أبرام على العبادة في قلايته وانسحب قلبه بالحب لله والتأمل، حتى كان يقضي أحيانا الأسبوع كله لا يرى أحدًا إلا في القداس الإلهي. امتاز أبرآم بقلب نقي وحياة بسيطة فتمتع برؤية السيد المسيح نفسه، وكان كثيرًا ما يرى ملاكًا حارسًا يحرسه ويعزيه وأحيانًا يوبخه على فكر خاطئ يبثه عدو الخير فيه، كما نال موهبة إخراج الشياطين. لقاؤه مع القديس جاورجي كان جاورجي راعيًا للغنم مع أبيه أحب حياة التأمل، لذا ترك والديه التقيين وهو في الرابعة عشرة من عمره ليذهب إلى البرية .... في الطريق رأى الشاب الصغير عمود نور يرشده ففرح وتعزى. لكنه فجأة اختفى العمود ليظهر له إنسان عجوز يقول له: "لقد عبرت إحدى المدن فوجدت رجلاً مشقوق الثياب ينوح ويبكي بشدة، ويصرخ بصوت عظيم قائلا: أن الأسد قد افترس ابني وهو يرعى الغنم في الحقل، وأغلب الظن يا ولدي أنه أبوك. فعليك أن ترجع إليه وتطيّب قلبه، لأنه مكتوب: "أكرم أباك وأمك (خر 20: 12)، ثم تعود إلى البرية". فأجابه الشاب بحزم أنه مكتوب "من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني" (مت 10: 37). للحال صار الشيخ دخانًا واختفى، فعرف جاورجي أنها خدعة شيطانية، أنقذه الرب منها، فقدم الشكر لله. عندئذ ظهر له الملاك غبريال على شكل صبي صغير حسن الصورة وبهي الملبس رافقه في الطريق حتى بلغ به إلى جبل أوريون بقرب شيهيت. عاش جاورجي يتدرب على يدي راهب قديس على حياة الصلاة وحفظ الكتاب المقدس مع النسك، وكان يود التوحد في البرية الداخلية لكن الله لم يسمح له. بتدبير إلهي إذ كان القديس أبرام يتجول في الجبل التقى بالقديس جاورجي في جبل القديس أوريون، فتحدثا معًا بعجائب الله، وشعرا باتفاق روحي في حياتهما واشتياقهما، فرأيا أن يعيشا معًا يسند أحدهما الآخر .... ذهبا إلى الكنيسة للصلاة وبقيا طوال الليل يطلبان مشورة الله من جهة قرارهما، وقد قيل أن القديس يوحنا المعمدان ظهر لهما وطلبا منهما أن يعيشا معا في إسقيط القديس مقاريوس . ترك الأنبا جاورجي جبل أوريون بعد نواله بركة الآباء وانطلق إلى الإسقيط وكان قد سبقه الأنبا أبرام ليعد له مكانًا .... وهناك عرفه الأنبا أبرام بمعلمه القديس الأنبا يؤانس.... وسكنا معًا في قلاية تسمى بيجيج بجوار قلاية الأنبا يؤانس، وقد ظلت هذه القلاية من معالم الدير حتى القرن الرابع عشر حيث زارها بنيامين الثاني (1327 ? 1339 م). نياحته عاشا معا بروح الصداقة القائمة على الحب الروحي يشجعان بعضهما البعض، حتى مرض الأنبا أبرآم وبقى مدة 18 سنة يعاني من قسوة الألم، وكان أخوة القديس جاورجي يخدمه ويصلي من أجله ويقرأ له في الكتب المقدسة. إذ دنت الساعة بعد تناوله جاءه بعض الآباء الراقدين منهم القديس مقاريوس والأنبا يؤانس وجماعة من الملائكة يستقبلون نفسه الطاهرة، وقد بلغ من العمر 85 عامًا، وكان ذلك في عام 693 م. لم يمض سوى حوالي خمسة أشهر حتى رقد أخوه القديس جاورجي بعد أن بلغ 72 عامًا ليدفن مع صديقه الحميم. تعيد الكنيسة القبطية بتذكار نياحة الأنبا أبرآم في التاسع من طوبة، والأنبا جاورجي في الثامن عشر من بشنس.

ابن كتامة

هو الشيخ المكين بن البركات، من رجال القرن الحادي عشر. كان كاتب الدولة في خلافة الفائز، محبًا للكنيسة. بنى كنيسة باسم الشهيد مارجرجس بأعلى كنيسة مار بقطر، كما جدد كنيسة الشهيد مارمينا التي تقع على مقربة منها، وأيضًا كنيسة الأربعة مخلوقات الحية غير المتجسدين ودير نهيا بالجيزة.

القس المؤتمن شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر قسيس

من رجال القرن الثالث عشر. هو الشيخ المؤتمن شمس الرئاسة أبو البركات بن كبر. كان كاتبًا للسلطان بيبرس الدويدار (السلطان البندقداري)، أخلص له وعاونه في تأليف كتاب نفيس لا يزال مخطوطا مع أنه معروف في أوربا، هو "زبدة الفكر في تاريخ الهجرة". ترك خدمة السلطان وسيم كاهنًا لكنيسة العذراء الشهيرة بالمعلقة، فاهتم بالرعاية الروحية للشعب، كما وضع مجموعة من المؤلفات تكشف عن شخصه كعالم فاضل ولاهوتي ضليع ومؤرخ كنسي، وقد تنيح في 15 بشنس 1040 ش (1323م). 
عاش في أيام الملك المظفر في عصر المماليك البحرية. كان كاتبًا للملك حتى وهو بعد أمير، وأخلص له، عاونه على تأليف كتاب نفيس لا يزال مخطوطًا معروفًا في أوربا، وهو كتاب "زبدة الفكرة في تاريخ الهجرة". ويظن بعض الناس أنه كان طبيبًا أيضًا لِما بدا في كتاباته من دقة عن العقاقير والعطور.

قس كنيسة المعلقة:
تتضاءل خدماته للعالم أمام خدماته الروحية، إذ لم يلبث أن ترك الخدمة في ديوان الملك لينال كرامة الكهنوت، ويصبح كاهنًا لكنيسة العذراء الشهيرة بالمعلقة باسم القس بن كِبَر.
 
كتاباته:
كان عالمًا فاضلاً ولاهوتيًا ضليعًا ومؤرخًا كنسيًا من المتضلعين في التاريخ الكنسي والطقوس وغيرها من العلوم الدينية. لم تقتصر خدمته الكهنوتية على ما أدّاه من خدمات روحية لأولاده الذين عاشوا تحت رعايته بل امتدت لتشمل الأجيال الآتية من بعده، فقد وضع عددًا غير قليل من الكتب التي مازالت تعتبر مراجع أساسية للباحثين. أول ما كتب هو كتاب الميرون، وصف فيه المواد التي يتألف منها وكيفية طبخه بدقة متناهية. قام المؤرخ العلامة واللاهوتي الكبير شمس الرآسة أبة البركات بتأليف أكبر موسوعة لاهوتية للكنيسة وهي معروفة باسم "كتاب مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة"، ويتضمن هذا السفر العظيم جملة قوانين الكنيسة والمجامع وأخبار الرسل والتلاميذ وقواعد دينية وطقسية وتاريخية وأدبية، وتعد من أهم وأكبر الموسوعات الدينية. ألَّف أيضًا خطبًا تتلى في الكنائس والأعياد والمواسم. وضع كتاب "جلاء العقول في علم الأصول" الملقب "كهف الأسرار الخفية في أسباب المسيحية"، ويتضمن هذا الكتاب ثمانية عشر فصلاً في وحدانية الله وتثليث أقانيمه وتجسد ابنه الإلهي. له أيضًا كتاب "البيان الأظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر"، وكتاب الرد على المسلمين واليهود. على أن ابن كِبَر لم يكتفِ بالكتابة في الموضوعات الروحية والأدبية فقط بل وجَّه اهتمامه إلى اللغة القبطية، فقد كان عالمًا في اللغة القبطية وله فيها معجم معروف باسم "السلم الكبير". وضع ابن كِبَر قائمة بأسماء المدن والقرى المصرية، كما وضع فهرسًا خاصًا لجميع الكلمات العبرية التي اقتبسها القبط من أسفار العهد القديم.

من مؤلفاته:
1. كتاب عن الميرون، وصف فيه المواد التي يتألف منها وكيفية طبخه.
2. جلاء العقول في علم الأصول، الملقب بكشف الأسرار الخفية في أسباب المسيحية، يتضمن 18 فصلاً في وحدانية الله وتثليث أقانيمه والتجسد الإلهي (توجد نسخة بمكتبة الفاتيكان وأخرى بدمشق).
3. مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة، يمثل موسوعة لاهوتية كنسية. توجد نسخة منه في كل من مكتبة الفاتيكان ومكتبة برلين والمكتبة الأهلية بباريس.
4. البيان الأظهر في الرد على من يقول بالقضاء والقدر.
5. الخطب، خاصة بالأعياد والمواسم.
6. السلم الكبير: قاموس للغة القبطية، طبع في روما عام 1643 م، ونشر بالقبطية واللاتينية والعربية، ويعتبر من أنفس الكتب في القبطية.
السيرة من مصدر آخر
هو الشيخ المؤتمن شمس الرياسة ابو البركات الشهيد بابن كبر قسيس المعلقة، نبغ هذا الفليسوف القبطى والطيب الذى الق فى الادوية والعطور والعقاقير والسموم تلقى تعليه الاول فى الكتاتيب القبطية، وبعد ان نال قسطا من التعليم فيها انحرط فى سلك كتاب الدولة حتى وصل الى نصب كاتب الامير تم انكب على دراسة كتب الادوية فى مختلف العلوم المدنية والدينية والغوية، ودرس الكتب الكنسية القديمة دراسة مستفية، وساعده على ذلك تقربه من الباباوات المعاصرين له سيما البابا يؤانس الثامن البطريرك الثمانون، فأكمل بذلك ثقافته العلمية الدينية
ولما امر السلطان الملك الاشرف خليل بن الملك المنصور قلادون بعدم اشراك النصارى فى ادارة الدولة واضطهد الحكام منهم اعتزال ابو البركات الخدمة وتفرغ للدراسات العلمية واللاهوتية والتاريخية
وفى سنة 1200 اجمع اراخنة الشعب على اختيارة كاهنا ورسم قسا على كنيسة المعلقة وكانت انذاك هى الكاتدرائية البطريركية، وكان وقتئذ قد تجاوز سن الثلاثين، وقام بعد سيامته قسا بالقاء اول عظة كنسية له فى الاجتماع الاول للبابا يؤانس الثامن بدير شوان
وقد كان عصر ابن كبر عصر دراسات وعلم وعلماء ولكنه كان فى القمة، حيث تفرد المقدرة فائقة على البحث والتعمق فى احوال الاشياء، فقام بسد النقص الذى فات من سبقوه من عاصروه فى كثير من الايمات، كما انه لم يقصر تأليفة على اللغتين القبطية والعربية بل الف باللغات اليونانية القديمة والعبرية والسريانية، وكان له السبق فى معرفة ترتيب الطقوس الكنسية والعقائد الدينية
وبجانب هذا النبوغ كان تقيا مصلحا ومحافظا على المعتقدات الارثوذكسية السليمة للكنيسة القبطية
 
مؤلفاته:
قام الشيخ المؤتمن شمس الرئاسة ابو البركات بن كبر بتأليف موسوعات فى العلوم الكنسية واللغة القبطية والفلسفية الدنية المسيحية حتى اصبحت مرجعا فيما بعد للاكليروس وللدارسين وكان اخر عهدة بالتأليف سنه 1320 م
ومن اشهر مؤلفاته: " كتاب مصباح الظلمة لايضاح الخدمة " وهو عبارة عن دائرة معارف كنسية يحوى 24 بابه، وتذييلات مختلفة، وعدة فصول فى العقائد المسيحية واخبار الرسل
2- كتاب مرات وخطب ورسائل ومكاتبات " وهو باللغة العربية يحوى 51 موضوعا طبع منها 23 موضوعا فى (كتاب الجوهرة النفسية فى خطب الكنيسة)
3- (معجم اللغة القبطية) المعروف باسم السلم الكبير، وهو مبوب لعشرة ابواب تحوى 32 فصلا جمع الالفاظ القبطية المصطلح عليها، وترجم كل منها بالعربية الصحيحة
4- كتاب جلاء العقول فى علم الاصول: الملقب بكتاب كشف الاسرار الخفية فى اسباب المسيحية، يتضمن 18 فصلا فى المعتقدات المسيحية وحدانية الله تثليث اقانيمة وتجسد الابن.. الخ
5- (ردود على اليهود والمسلمين)
6-  (رسالة البيان الاظهر فى الرد على من يقول بالقضاء والقدر وفضلا عن هذه الكتب لاعميقة فى صلب الديانه المسيحية نجده يؤلف فى التاريخ الاسلامى (كتاب زبده المفكرة فى تاريخ الهجرة) فشهد للكتاباته المؤرخون المسلمون مثل المقريزى وابو المحاش بن تغرى بردى
 
وفاته:
لما وقع اخطها وكبير فى نهاية حياته على المسيحين اختفى ابن كبر وقضى بقية ايامه فى عزلة تامة فى داره، ورتب مرتبه لنفسة عندما احس بالضعف الشديد وقرب نهاية أجلة، حيث تنيح بسلام يوم 10 مايو 1234 فى عهد البابا يؤانس التاسع ودفن على الارجح فى الكنيسة المعلقة.

ابن كاتب قيصر

من رجال القرن الثالث عشر. هو الرئيس الأوحد علم الرئاسة أبو اسحق إبراهيم ابن الشيخ الرئيس أبي الثناء ابن الشيخ صفي الدولة كاتب الأمير علم الدين قيصر. وضع مقدمة في قواعد اللغة القبطية معروفة بكتاب "التبصرة في أصول اللغة القبطية"، توجد نسخة منه في مكتبة باريس الأهلية. وضع أيضًا تفاسير في إنجيل متى، وأعمال الرسل، ورسائل بولس، والكاثوليكون، وسفر الرؤيا.
السيرة من مصدر آخر
واسمه بالكامل (صفى الدولة ابى الفضائل كاتب قيصر) وقبل (علم الرئاسة ابن كاتب قيصر او العلم بن كاتب قيصر ويرجع تلقيبة بان كاتب قيصر لأن اباه صفى الدولة كان كاتب الامير علم الدين قيصر، وقد ورد اسمه فى كتاب الاعلام للزركلى " علم الدين قيصر بن ابى القاسم عبر الفنى الاسفونى الملقب بتعاسيف، وهو عالم رياض مهندس ولد باسفون من صعيد مصر (قرب المطاعنة باسنا) وأقام زمنا فى جماه ، فخدم صاحبها محمود المظفر وبنى له ابراجا فلكية وطاحونا على العاصى نقشى فيها صورة أسد ناتئة فى حجر، وحجر الماء بحواحز ليعلم اصحاب الاريحية فى حماة سيرار حيتهم اذا طفى النهر، فمتى غمر الاسد بالماء لم يتقى رحى دائرة، ومتى غاص عنه الماء مشت الارحية، ولاتزال اثار هذا البناء باقية الى الان تسمى (الغزاله) ، وضع للمظفر ايضا كرة من الخشب مدهونه رسم عليها جميع الكواكب المرصودة رمات فى دمشق
وكان ابن كاتب قيصر معاصر الاولاد العسال، والمعلومات ثمة ليست كثيرة اهم مؤلفات: تفسير رؤيا القديس يوحنا اللاهوتى تفسير انجيل متى وتفسير رسائل القديس بولس ورسائل الكاثوليكون

يوحنا بن زكريا ابن السباع اللاهوتي

(يوحنا بن سباع)

يوحنا ابن أبي زكريا ابن السباع هو أحد مشاهير الرجال في القرن الثالث عشر. كان لاهوتيًا ضليعًا وضع كتابًا بعنوان: "الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة" في 113 فصلاً، أوضح فيها طقوس الكنيسة وتعاليمها. وقد تضمن التعاليم عن التثليث والتوحيد وخلق الملائكة والعناصر والإنسان، ثم شرح الآيات الجوهرية في سفر التكوين والوظائف الكنسية وممارسة السيد المسيح لها على الأرض، فالأسرار المقدسة والبخور والأيقونات والمجمرة والمعاني الرمزية لهذه كلها وكذلك الأعياد الكنسية. وقد وصف المستشرق الألماني جراف يوحنا بن زكريا بأنه من كبار العلماء وبأن كتابه من المؤلفات المسيحية ذات العبارة الفصيحة ودقة البحث. قد طُبِع الكتاب طبعة قديمة وله طبعة حديثة سنة 1902م قام بها الرهبان الفرنسيسكان بالقاهرة. وللأسف لا نعرف شيئًا عن بقية حياته.

ابن بقر

من رجال القرن الحادي عشر، يسمى بقيرة الرشيدي وشهرته (ابن بقر). كان من العاملين في الأمة، في أيامه حدث غلاء شديد فكان يطوف أحياء الفقراء يفتقد أحوالهم ويحسن إليهم، وكان يقضي لياليه في افتقاد المرضى ومواساة المحبوسين. كان مقربًا لدى الخليفة الظاهر، ومحبوبًا لديه جدًا، استطاع أن يستصدر منه أمرًا برفع الجزية التي كانت على بابا الإسكندرية أن يدفعها عقب سيامته مباشرة.

ابن الميقاط

من رجال القرن الحادي عشر. هو الأسعد أبو الخير جرجة بن دهب، من أراخنة الأقباط في عهد الخليفة العاضد. جدد بناء كنيسة القديس يوحنا المعمدان التي دفن فيها بعد استشهاده. عائلته مشهورة تسمى (النشو)، منها أبو الفتوح بن الميقاط الذي تقلد رئاسة ديوان الجيش في أيام الملك العادل.

ابن المكين


من أراخنة الفكر في القرن الثالث عشر (توفي بدمشق سنة 1273 م). هو جرجس بن العميد، أخوه الأسعد إبراهيم كاتب الجيوش في عهد الملك العادل. لا نعرف عن سيرته الكثير، إنما نعرف أنه في محبته لله قد ترك مجد العالم وغناه وكرس حياته للعبادة والنسك مع البحث والدراسة في دير الأنبا يؤانس القصير بطرة، جنوبي القاهرة، فتضلع في القبطية والعربية واليونانية والمنطق والفلك والتاريخ. أما مؤلفاته فهي: 1. تاريخ مدني عنوانه (المجموع المبارك) يقع في جزئين، ترجم إلى عدة لغات منذ القرن السابع عشر. 2. كتاب الحاوي، كتاب عقيدي يحوي تفسير بعض الآيات الصعبة. 3. المستفاد من بديهة الاجتهاد، امتدح فيه المجدين والكادحين. 4. قام بتكملة تاريخ الطبري.

الشهيد آداي والقديس ماري الأسقفان

يرى البعض أن كلمة "آداي" Addai من الناحية اللغوية تقابل تداوس بحسب التقليد السرياني. آداي هذا هو أحد السبعين رسولاً، بعثه القديس توما إلى الرها ليشفي الملك أبجر الخامس ويكرز له كوعد السيد المسيح له (راجع سيرة أبجر الخامس). يوجد قداس إلهي باسم "آداي" وتلميذه "ماري"Mari لا يزال يصلى به النساطرة حتى اليوم. قيل أن آداي وتلميذه ماري كانا حاضرين يوم الخمسين، وأن توما إذ أرسل آداي للملك أبجر آمن الأخير ومعه جموع من شعبه، كما آمن على يديه صانع المجوهرات الملكي "أجاي" Aggai الذي صار أسقفًا كخلف لآداي، وأيضًا آمن باليت Palut الذي سامه كاهنًا قبيل نياحته مباشرة. استشهد أجاي على اسم السيد المسيح. أما بالنسبة لماري فقد قيل أن آداي أرسله ليكرز في نصيبين ومنها ذهب إلى منطقة التيجر، وتنيح بالقرب من سلوكية ستسفون Selcia-Ctesiphon وقد عُرف بقوة كرازته، إذ جذب كثير من الوثنيين إلى الإيمان بالسيد المسيح. منذ العصور الأولى يُكرم "آداي وماري" كرسولين قديسين، لهما الفضل في الكرازة بالإنجيل في المناطق المحيطة بالفرات والتيجر، ولا يزال يكرمهما الكلدانيون ونساطرة العراق وكردستان حتى اليوم.

بطرس أبو شاكر بن الراهب (أبو الكرم)

من رجال القرن الثالث عشر. هو بطرس أبو شاكر بن الراهب، كان شماسًا لكنيسة السيدة العذراء المعروفة بالمعلقة، عام 1260 م. وعندما تنيح الباب يؤانس السادس (76) خاض في المعركة الانتخابية مرشحًا للأسف نفسه، وتاركًا لأعوانه استخدام وسائل غير شرعية كدفع مبلغ من المال لبيت لمال... لكنه فشل.
وجه اهتماماته بعد ذلك إلى الكتابة فوضع الآتي:
1. الشفا في كشف ما استتر من لاهوت المسيح وما اختفى.
2. مقدمة في التثليث والتوحيد.
3. في حساب الأبقطي مع مقدمة إضافية بالقبطية والعربية.
4. كتب في التاريخ: التواريخ، تاريخ ابن الراهب، المجامع السبعة المكانية.

المطران الأنبا خريستوذولس ابن الدهيري


هو خريسطوذولوس الملقب بابن الدهيري (خريستوذولوس)، كان مطرانًا في أيام البابا كيرلس بن لقلق (75)، في القرن الثالث عشر، على دمياط. كان ثقة في اللغة القبطية، وضع مقدمة لقواعدها النحوية معروفة باسمه.

الشيخ أبو الفضل ابن الأسقف


الشيخ أبو الفضل، كاتب سرّ الفضل، وزير الخليفة الآمر في القرن الحادي عشر.

ابن الأبح

كاتب سر الخليفة المستنصر، في القرن الحادي عشر. جدد كنيستي أبي سرجة، والقديسين أباكير ويوحنا بمصر القديمة

الشهيدة ابفيّة

قبلت الإيمان على يدّي الرسول بولس.

الشهيد ابطلماوس

أبطلماوس هذا غير أبطلماوس القس الذي استشهد مع القديسين (أباكير ويوحنا وفيلبس) بجوار دمنهور في 15 من شهر بؤونة. لقاؤه مع ببنودة السائح أبطلماوس بن نسطوريوس من مدينة دندرة، على الشاطئ الغربي من النيل مقابل مدينة قنا بالصعيد الأقصى. كان أبطلماوس قد أخذ بعض الجند وانطلق إلى الجبل في رحلة صيد، فالتقى هناك بالقديس ببنودة الراهب السائح (بفنوتيوس). اقترب الراهب منه بناء على صوت سمعه من السماء، لكن الجند استخفوا به من أجل رداءة ثيابه وحاولوا طرده، أما أبطلماوس فنزل عن حصانه وضرب للأب مطانية أمام الجند وطلب منه أن يرافقه... ثم أخذه إلى بستان له مملوء بالأشجار المثمرة. رأى القديس ببنودة هذا المجد الذي يعيش فيه الشاب أبطلماوس فصار يبكي. - أعلمني ما الذي يبكيك يا أبي؟ - يا ولدي ليس بكائي من أجل هذا المجد ولا تلك الكرامة التي أشاهدها، وإنما تذكرت الأمجاد التي أُعدت لنا في ملكوت السموات إن حفظنا وصايا الرب. - يا أبي لن أتركك، وكل ما تشير به عليّ أفعله. إنما أريد منك ألا تفارقني بل تمكث معي في هذا الموضع. - لا يمكنني أن امكث عندك. - إذن خذني معك إلى البرية. - إني أخاف سطوة أبيك، لكن إن كنت تريد الوصول إلى ملكوت السموات بطريق مختصر فها أنا أرسلك إلى مدينة أنصنا، عند رجل تقي عابد الله اسمه دوروثيؤس، يدعى (اللآبس النور) من أجل حسن عبادته. عندئذ كتب القديس ببنودة رسالة للقديس دورثيؤس يوصيه فيها بأبطلماوس. ثم نصح أبطلماوس قائلاً له أن يحذر لنفسه من عدو الخير الذي يثير عليه تجارب كثيرة من جهة امرأة شريرة تلتقي به في الطريق، طالبًا منه ألا يكف عن ذكر اسم المسيح لكي يخلصه من التجارب والبلايا. كما أنبأه بأنه إذ يمضي إلى مدينة أنصنا يثير عدو الخير عليه رياحًا شديدة لتحطم السفينة، وطلب منه أن يسأل الرب الخلاص فينال عونًا سريعًا. مع الأب دوروثيؤس أطاع أبطلماوس وصية الأب ببنودة، وفي الحال تخفى وانطلق في الطريق ليجد ما قد أعلنه له الأب ببنودة يتحقق حرفياً، وإذ التقى الأب دورثيؤس (ضورتاوس) أعطاه الرسالة، فجلس معه الأب وأرشده أن يذهب إلى إريانا والي أنصنا ويعترف بالسيد المسيح، فينال الإكليل سريعًا عوض الطريق الطويل خلال الحياة الرهبانية. استشهاده انطلق إلى إريانا حيث اعترف بالسيد المسيح فأذاقه عذابات كثيرة، وأخيرًا أمر الوالي أن يعبروا به النيل إلى الغرب إلى قرية طوخ الخيل، حاليًا منطقة خربة شمال غرب طحا، وهناك عُلق على صارية عالية وبقي هكذا تسعة أيام حتى طعنه أحد الجنود في رقبته فأكمل شهادته في 11 من شهر كيهك. قيل أن عسل نحل كان يسيل من الصارية كل من أكل منه وهو مريض يشفى. دُفن جسده وأقيمت عليه كنيسة بعد انقضاء فترة الاضطهاد.

الانبا بسادة ابصادى أسقف أبصاي

كلمة (إبصادي) أو (بسادة) تعني (الذليل). كان القديس بسادة أسقفًا على أبصاي أي المنشاة شرق بجوار أخميم. في عهد دقلديانوس أرسل إليه إريانا والي أنصنا يستدعيه لما عرفه عنه من يقظته في رعايته لشعبه وتثبيتهم على الإيمان المسيحي. دعى الأب الأسقف شعبه وحثهم على الجهاد، وأقام لهم قداسًا إلهيًا اشترك فيه الكل وتناولوا الأسرار الإلهية، ثم ودعهم مسلّمًا نفسه بين يدي رسل إريانا. وإذ التقى بالوالي رقّ له، لما للأسقف من هيبة ووقار وسأله في احتشام أن يسمع لأمر الإمبراطور ويخلص نفسه من المتاعب، لكن الأب الأسقف رفض بشجاعة أن يبخر للأوثان. احتمل عذابات كثيرة بالهنبازين وبإلقائه في مستوقد حمام، وكان الرب يحفظه. وأخيرًا نال إكليل الاستشهاد في 27 من شهر كيهك. ما زال يوجد ديره باسم القديس الشهيد بسادة بشرق المنشاة بركة صلواته تكون معنا آمي

Wednesday, March 24, 2010

الشهيد ابسخيرون القليني


St-Takla.org                     Images: Saint Abaskhiroun El 
Kellini  القديس أباسخيرون قلينينشأته: كلمة "أباسخيرون" أو "أبسخيرون" مشتقة من كلمتين: "أباّ" معناها "أب"، و "سخيرون" "أسشيروس" أو "إسكاروس"، معناها "القوي". وُلد بقلين من محافظة كفر الشيخ، وكان جنديًا شجاعًا محبوبًا، له شهرة واسعة ومكانة بين رفقائه ورؤسائه، من جنود الفرقة التي كانت بأتريب (بنها). موقفه من منشور دقلديانوس إذ أصدر دقلديانوس منشورًا بالذبح للأوثان في كل إنحاء الإمبراطورية، وإذ أعُلن المنشور بين الجند رفض أبسخيرون التعبد للأوثان، فقام الوالي ولطمه وصار يوبخه، أما هو فألقى بمنطقة الجندية أمامه، للحال أمر الوالي بسجنه. كان للقديس أبسخيرون أخان جاءا إليه يبكيان ويستعطفانه ليبخر للأوثان، وإذ لم يستجب لدموعهما صار يتبرأن منه، أما هو فكان يحدثهما عن الإيمان بالسيد المسيح.... ثم صار يصلي فظهر له ملاك يسنده ويشجعه. قدم في صباح اليوم التالي للمحاكمة، وصار الوالي تارة يهدده وأخرى يلاطف، وإذ وجده ثابتًا على إيمانه قرر ترحيله إلى أريانا والي أنصنا (قرية الشيخ عبادة تجاه ملوي شرق النيل). قيد أبسخيرون ورحل مع أربعة من الجنود على مركب متجهًا نحو الصعيد. فظهر له السيد المسيح وهو في السفينة وحلّ قيوده، وإذ توسل إليه الجنود سمح لهم أن يقيدوه حتى لا يتعرضوا للموت. في أسيوط لم يجدوا الوالي في أنصنا إذ عرفوا أنه قد ذهب إلى أسيوط، فانطلقوا إليه وهناك تعرف أبسخيرون على جماعة المؤمنين من أسوان وإسنا كانوا قد حُملوا إلى أريانا ليعذبهم، فتعزى الكل معًا. أخرج القديس روحًا شريرًا كان يعذب مشير الوالي مكسيماس (غالبًا والي أسيوط الذي كان برفقة أريانا والي أنصنا)، فاغتاظ الوالي وأمر بربط القديس في خيل والطواف به في شوارع المدينة، ويصيح البعض أمامه، قائلين: "هذا جزاء من لا يخضع لأوامر الملوك ويقدم البخور للآلهة". قُدّم لعذابات كثيرة وكان الرب يسنده ويقويه. اتهمه أريانوس بالسحر، فاستدعى ساحرًا يدعى الكسندروس قدم له كأسًا به سم، رشم عليه القديس علامة الصليب فلم يصبه أذى، فآمن الساحر بالسيد المسيح وقطع أريانا رأسه. تشدد أريانا في تعذيبه للقديس وأخيرًا قطع رأسه في 7 بؤونه مع خمسة من الجنود هم ألفيوس وأرمانيوس وأركياس وبطرس وقيرايون. كنيسة القديس أبسخيرون بالبيهو هي كنيسة القديس أبسخيرون التي كانت بقلين (بمحافظة كفر الشيخ)، نقلها القديس إلى البيهو بمحافظة المنيا بالصعيد، ولا زالت قائمة إلى اليوم. قيل أن أهل قلين اعتادوا أن يعينوا ليلة محددة لإقامة عددًا من الزيجات معًا، ربما بسبب صعوبة المواصلات في ذلك الوقت، ولتوافقها بوقت جمع المحاصيل. وفي أحد هذه الاحتفالات إذ كان حوالي مائة شخص مجتمعين في الكنيسة، كان عدو الخير قد أثار المضطهدين عليهم، وكان المؤمنون في هذه المدينة يتشفعون دائما بالقديس أبسخيرون الذي من بلدتهم. وفي أثناء الليل قبل أن ينفذ المضطهدون ما في نيتهم نقلت الكنيسة بمن هم فيها إلى البيهو بصعيد مصر. وفي الصباح خرج الناس من الكنيسة ليجدوا أنفسهم في بلد غير بلدهم. ظهر لهم القديس دون أن يعرفوه، وسار معهم حتى شاطئ النيل، وإذ ركبوا سفينة وصلوا إلى قلين في يوم واحد عوض ثلاثة أيام، فتعجب صاحب السفينة وآمن بالمسيحية، وفي قلين لم يجدوا الكنيسة، لا يزال مكانها بركة ماء تسمى بحيرة القليني.

القديس ابرونيانوس

Apronianus كان وثنيًا، ذا رتبة عظيمة بروما، تحول هو وزوجته أفيتا Avita إلى الإيمان بالسيد المسيح على يدي القديسة ميلانيا الكبرى، وصارا يمارسان الحياة النسكية وإنكار الذات.

القديس الأنبا ابركيوس الأب

عاش في فيريجيا سالوتريس Phrygia Salutris، في القرن الثاني، أسقفًا على هيروبوليس (غير هيرابوليس) يسمى أبركيوس Abercius.. قام برحلة إلى روما وكان قد بلغ الثانية والسبعين؛ في رحلته عبر على سوريا وما بين النهرين وافتقد نصيبين، وقد أعطاه الله نعمة في أعين الكل أينما ذهب فكان يعمّد الكثيرين ويمارس سّر الافخارستيا. وعند عودته إلى بلده أعد قبرًا لنفسه نحت عليه رموزًا كما سجل رحلته إلى روما باختصار.

ابراهيم روفائيل الطوخي بك

لاهوتي شهير ولد ببلدة طوخ الناصرى من أعمال المنوفية عام 1836، تنقل في دوائر الحكومة ووظائفها الحكومة حتى عُيّن مستشارًا في محكمة الاستئناف الأهلية، وتوفى بالقدس في خميس العهد 29 برمهات 1620 ش الموافق 7 أبريل 1904 م. كان عضوا في المجلس الملي الأول عام 1873م. وضع ستة مؤلفات دينية في مواضيع مختلفة.

القديس ابراهيم المتوحد

أحد الرهبان الباخوميين، تحتفل الكنيسة بعيد نياحته في 30 بابه. ولد بمنوف من أسرة متدينة تقية وغنية، فنشأ زاهدًا في كل شيء.... وإذ كبر انطلق إلى اخميم بصعيد مصر ومنها إلى حيث القديس باخوميوس الذي كاشفه باشتياقات قلبه، فاختبره وألبسه زي الرهبنة. عاش هذا القديس 23 سنة في الدير يمارس حياة الشركة بتقوى ومحبة شديدة لاخوته الرهبان، وإذ كان يتوق لحياة الوحدة سمح له القديس باخوميوس أن ينفرد في مغارة خارج الدير.
عاش زاهدًا للغاية، يعمل بيديه شباكًا لصيد الأسماك يبيعها أحد المؤمنين ليشتري له فولاً، ويتصدق بالباقي، فكان طعامه اليومي قليلا من الفول المبلول كل مساء، أما ثوبه فتهرأ ولم يقتن آخر بل كان يلبس قطعة من الخيش إذ لم يكن يلتقي بأحد، ولا يخرج من قلايته إلا للتناول مرة كل سنتين أو ثلاث سنوات. إذ شعر أن أيامه قد أوشكت على النهاية أرسل للقديس تادرس تلميذ القديس باخوميوس الذي كان يحبه جدًا، وصليا معًا ليرشم نفسه بعلامة الصليب وتنطلق نفسه.!

القديس ابراهيم القيدوني

روى لنا القديس أفرام السرياني قصة ناسك يدعى إبراهيم أو أبرام أو إبراميوس القيدوني Abraham of Kidunaia ، وكان معاصرًا له من وطنه، أحبه جدًا لنسكه مع اتساع قلبه بالحب وشوقه لخلاص كل نفس، كثيرًا ما كان يزوره ويتحدث معه. وقد جاءت القصة مشابهة لقصة تاييس لأناتول فرانس التي كتبها بعد أحداث هذه القصة بقرون طويلة. تحتفل الكنيسة الغربية بعيده في 16 مارس. حداثته ولد إبراهيم في مدينة الرها أو أحد ضواحيها، وقد دعي "القيدوني" نسبة إلى قرية قيدون بجوار الرها، من بيت كريم كثير الغنى، هذبه والداه بالثقافة والفلسفة مع التقوى والورع. عافت نفس الفتى كل غنى هذا العالم ومباهجه، وإذ أدرك والداه تقشفه الزائد وميله للعزلة إذ كان يقضي أوقاته في العبادة مع الدراسة والتأمل خشي أن يتركهما ابنهما المحبوب لديهما إلى الحياة النسكية فألزماه بالزواج. ومن أجل حيائه وتقواه لم يستطع مقاومة والديه، فوجد نفسه قد ارتبط بعروس في الكنيسة. بقى الوالدان يقيمان الحفلات لمدة أسبوع كأهل زمانهم من أجل زواج ابنهما.... وقبل أن يتعرف الشاب على عروسه تسلل ليلاً واختفى. صار الكل يبحث عنه حتى وجدوه بعد 17 يومًا مختفيًا في مغارة خارج المدينة. حياته النسكية عبثًا حاول السعاة أن يردوه إلى البيت إذ وضع في قلبه أن يعيش بتولاً، يمارس الحياة النسكية والتعبدية..... (لا نعرف ما موقف عروسه إذ لا يليق به أن يتركها دون موافقتها). قيل أنه بنى المغارة بالطوب ولم يترك إلا طاقة صغيرة يتناول منها طعامه، وعاش في المغارة يمارس العبادة الملائكية مع جهاد ضد قوات الظلمة. إن كان إبراهيم قد هرب من العالم وملذاته واهتماماته لكنه بقلب متسع بالحب لله والناس، لهذا تحولت مغارته إلى سّر بركة لكثيرين، فصارت ملجأ لكل حزين ومتألم ومريض، يجد الكل فيه قلبًا محبًا ونفسًا ملتهبة بالروح، يسند كل القادمين إليه. أفرام الكاهن فرح أسقف الرها بهذا الناسك الذي صار بركة للمدينة وتعزية للكثيرين، وسّر بناء روحي لنفوس كثيرة.... وإذ كان الأسقف متألمًا بسبب أهل "بيت قيدون Beth - Keduna " في ضواحي الرها، إذ كانوا وثنيين قساة القلب لا يستجيبون لأي عمل كرازي، ألّح على إبراهيم أن يقبل السيامة كاهنًا ليخدم بين هذه النفوس. أمام محبته لخلاص كل نفس قَبِل السيامة وانطلق إلى المدينة وسط الوثنيين الذين عاملوه بقسوة، حتى ضرب أكثر من مرة وألُقى بين القاذورات حاسبين أنه مات.... وكان إذ يسترد أنفاسه يعود إليهم ثانية ويتحدث معهم عن إنجيل المسيح.... وبعد ثلاثة أعوام إذ رأوا صبره ووداعته وقداسة سلوكه آمنوا بالسيد المسيح واعتمدوا. التف الكل حوله وتحولت المدينة إلى مقدس للرب.... وفرح الأسقف جدًا، لكن فجأة إذ اطمأن الكاهن عليهم اختفى راجعًا إلى مسكنه، فبكاه الكل.... وسام لهم الأسقف كاهنًا يرعاهم. مع مريم ابنة أخيه قيل أنه بعد عودته إلى مغارته مات أخوه وترك ابنة يتيمة الأب والأم تدعى مريم، كانت في السابعة من عمرها.... فاستأجر لها موضعًا بجواره وكان يهتم برعايتها ويدربها على تلاوة المزامير والحياة المقدسة في الرب، فتقدمت في الفضيلة وأحبت الحياة النسكية ممتثلة بعمها الأب أفرام. استطاع أحد الشبان أن يخدعها حتى سقطت معه في الخطية، وإذ خشيت الالتقاء مع عمها هربت بعيدًا وتحولت إلى حياة الدنس والنجاسة بعنف. بكاها القديس إبراهيم كثيرا، وكرّس صلوات ومطانيات وأصوام من أجل خلاصها.... وأخيرًا إذ عرف مكانها تخَفى في زي آخر والتقى بها حتى لا تهرب منه.... وبروح الوداعة مع دموع غزيرة ردها إلى التوبة، فرجعت معه مملوءة رجاءً مع انسحاق قلب، وقضت بقية حياتها تمارس التوبة مع نسك شديد. أما هو فإذ ردّ ابنة أخيه لم يبق كثيرًا بل أسلم روحه الطاهرة في يدي الرب. قال عنه كاتب سيرته: "لم يُر قط ضاحكًا، بل كان يتطلع إلى كل يوم أنه يومه الأخير. مع هذا فكان محياة نشيطًا، كامل الصحة وقوي البنية كما لو كان لا يمارس حياة التوبة". حياته صورة حيّة لتكامل الفكر النسكي مع التهاب القلب بالحب الإنجيلي، والتحام الحياة التأملية بالكرازة، واهتمام النفس بخلاصها خلال حبها لخلاص الكل. كتب مار إبراهيم صلوات وأدعية ضُم بعضها إلى كتاب "الأجبية" السرياني، أي صلوات الرهبان السبع. وقد نظُمت أناشيد سريانية كثيرة مستوحاة من توبة ابنة أخي مار إبراهيم، منها مرقاة أو سيبلتو (منظومة سريانية ملحّنة) لمار أفرام السرياني، قام بترجمتها إلى العربية غبطة البطريرك مار اغناطيوس زكا الأول عواص، جاء فيها: "مبارك هو المسيح الذي يفتح باب رحمته للخطاة التائبين، ألا فلأتنهد باكية على حياتي! الويل لي، ماذا أصابني؟ وكيف سقطت؟ يارب ارحمني .... لقد اختارني ابن الملك (السماوي) ودعاني لأفرح بوليمته، إلا أنني فضّلت فرح البشر. فيارب ارحمني. ويلاه! فإن الدير الذي اتشحت فيه بالاسكيم الرهباني يندبني الآن، وإن الشيخ الذي ألبسني الاسكيم ينتحب عليّ بحزن عميق، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟! لقد نزعت عني الاسكيم المقدس، وارتديت حلة زانية.... الويل لي.... يارب ارحمني.... لقد نسيت مطالعة الكتب المقدسة، فالويل لي. وأبدلتها بصوت مزمار منكر. فيارب ارحمني. ويلاه! فقد كنت حمامة طاهرة ووديعة، وسقطت بين شدقي إبليس، وصرت له لقمة سائغة، آه منك أيها الشرير ماذا فعلت بي؟ ....! أيها العليّ الذي طأطأ سماء مجده ونزل إلى الأرض لينقذ الغرقى أمثالي، انتشلني من هوة الظلام التي سقطت فيها، آه ارحمني يارب. السماء والأرض ترجوانك من أجلي يارب"....

القديس المعلم ابراهيم الجوهري

نشأته:
رجل عصامي نشأ في القرن الثامن عشر من أبوين متواضعين فقيرين تقيين، والده يسمى يوسف الجوهري كان يعمل في الحياكة بقليوب. تعلم في كتّاب بلده الكتابة والحساب وأتقنهما منذ حداثته، فكان يقوم بنسخ بعض الكتب الدينية ويقدمها للبابا يؤانس الثامن عشر (البابا 107). سرّ البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه، وكان يقول له: "ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكراك إلى الأبد". بدأ عمله ككاتب لدى أحد أمراء المماليك، توسط له البابا لدى المعلم رزق رئيس كتّاب علي بك الكبير، فأتخذه كاتبًا خاصًا له، واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته، ولما تولى محمد بك أبو الذهب مشيخة البلد اعتزل المعلم رزق من رئاسة الديوان وحلّ المعلم إبراهيم محله، فبدأ نجمه يتألق في مصر، حتى صار رئيس كتاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك، وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليًا .... هذا المركز زاده وداعة واتضاعًا وسخاءً فاجتذب القلوب إليه.

تجاربه:
كان له ابن يدعى يوسف وابنة تسمى دميانة، مات الأول بعد ما أعد له منزلاً بكل إمكانياته ليزوجه .... فكانت نفس الوالدين مرة للغاية حتى سمّر الرجل الباب بمسامير وكسر السلم كي لا يدخل أحد البيت لكن، تحولت المرارة إلى حب شديد لمساعدة الأرامل والأيتام وتعزية كل حزين أو منكوب. وقد ظهر القديس أنبا أنطونيوس لزوجته كما له في نفس الليلة وعزاهما. حدث انقلاب في هيئة الحكام، وحضر إلى مصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك واضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتّابهم .... فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، وقام بسلب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته وكل ما قد أوقفه على الكنائس والأديرة. اضطرت زوجته إلى الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا علي بك، لكن البعض دلّ الباشا عليها، فاستحضرها وأقرت بكل ممتلكاتهما، كما استحضر أيضا ابنتها دميانة التي طلبت من الباشا مهلة، فيها جمعت بعض الفقراء لتقول له: "أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلى أجسامهم" .... ويبدو أن الباشا تأثر لذلك إلى حد ما فلم يبطش بها. عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المعلم إبراهيم إلى القاهرة في 7 أغسطس 1791، وكان المعلم إبراهيم محبوبًا من السلطات جدًا ومن الشعب حتى دُعي "سلطان القبط" كما جاء في نقش قديم على حامل الأيقونات لأحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي، وأيضًا في كتابه بقطمارس محفوظ بنفس الدير. قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظيم الصيت والشهرة، مع طول المدة بمصر ما لم يسبق من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا، وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة، وأوقف عليها الأوقاف الجليلة، والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال". قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم إنه كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق. خلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافًا للكنائس والأديرة، واهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس.

وداعته:
قيل أن أخاه المعلم جرجس الجوهرى جاءه يوما يشتكي له من بعض الشبان إنهم أهانوه في الطريق، سائلاً إياه أن يتصرف خلال سلطانه، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم .... وفي اليوم التالي إذ كان أخوه يسير في نفس الطريق وجد الشبان يحبونه ويكرمونه جدًا. فلما سأل أخاه عما فعله معهم، أجاب أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن الشر. قيل عنه أيضًا إنه إذ كان يصلي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، وكان متعجلاً أرسل إلى القمص إبراهيم عصفوري ? من علماء عصره ? يقول له: "المعلم يقول لك أن تسرع قليلاً وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان". أجابه الكاهن: "المعلم في السماء واحد، والكنيسة لله لا لأحد. فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى". إذ سمع المعلم إبراهيم تقبل الإجابة بصدر رحب دون غضب أو ثورة، ولكنه حسب ذلك صوتًا من الله إذ بنى كنيسة باسم الشهيد أبي سيفين بالجهة البحرية لكنيسة السيدة العذراء .... أما الكاهن فجاء يهنئه على بنائها، قائلاً: "حمدًا لله الذي جعل استياءك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت ميراثك وحسناتك". حبه لخدمة الآخرين عاد المعلم إبراهيم بعد قداس عيد القيامة المجيد ليجد أنوار بيته مطفأة كلها، وإذ سأل زوجته عن السبب أجابته: "كيف نستطيع أن نبتهج بالنور، ونعّيد عيد النور المنبثق من القبر الفارغ وقد حضرت عندي في المساء زوجة قبطي سجين هي وأولادها في حاجة إلى الكسوة والطعام؟! وقد ساعدني الله، فذهبت إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في استصدار الأمر بإطلاق سراحه". فذهب المعلم إبراهيم وأحضر الرجل وزوجته وأولاده إلى بيته لكي يضيء الأنوار ويبتهج الكل بالعيد أما ما هو أعجب فإن هذا السجين الذي أكرمه المعلم في بيته إذ قدم له عملاً، قال للمعلم بأن هناك صديق له هو أولى منه بهذه الوظيفة وأكثر منه احتياجًا، ففرح المعلم إبراهيم باتساع قلب هذا الرجل ومحبته، وقدم عملاً لصديقه.

محبة غالبة للموت:
انتقل المعلم إبراهيم في 25 بشنس سنة 1511 الموافق 31 مايو 1795، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جدًا، وقد سار في جنازته، ورثاه البابا يؤانس. لم تنته حياته بموته فقد قيل أن رجلاً فقيرًا اعتاد أن يأتيه (ربما من بلد أخرى) بطريقة دورية يطلب معونة، وإذ جاء كعادته وبلغ داره عرف إنه تنيح فحزن جدًا. سأل عن مقبرته، وانطلق إليها يبكي ذاك السخي بمرارة، حتى نام من شدة الحزن، وظهر له المعلم إبراهيم يقول له: "لا تبكِ، أنا لي في ذمة (فلان الزيات ببولاق) عشر بنادقة، فسلّم عليه مني وأطلبها منه فيعطيها لك". إذ استيقظ الرجل خجل أن يذهب إلى المدين. بالليل ظهر له المعلم مرة أخرى في حلم وسأله أن ينفذ ذات الأمر .... لكنه أيضا تردد في الأمر. وفي المرة الثالثة قال له: "لا تقلق، اذهب كما قلت لك، وسأخبره بأمرك". فقام الفقير وذهب إلى الرجل دون أن ينطق بكلمة. تفرس فيه الرجل وطلب منه أن يروي له ما حدث معه. وإذ روى له ذلك، قال: "بالحق نطقت، لأن المعلم إبراهيم تراءى لي أنا أيضا، وأبلغني بالرسالة التي أمرك بها. فإليك ما في ذمتي، وهوذا مثلها أيضا مني".

محبة بلا تغصُّب:
يروي لنا توفيق إسكارس في كتابه: "نوابغ الأقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر" أن أسرة سريانية أرثوذكسية من حلب لا تزال تقيم قداسات إلهية باسم هذا الراحل، ذلك أن عائلهم وجد ضيقًا شديدًا ونُهبت أمواله في حلب فجاء إلى مصر واهتم به المعلم إبراهيم وسنده في عمل التجارة فانجح الرب طريقه واقتنى ثروة ضخمة ورجع إلى عائلته يروي لهم ما فعله هذا القبطي به، فرأوا أن يقيموا قداسات باسمه اعترافًا بفضله.
السيرة من مصدر آخر
من مواليد قليوب في اواسط القرن الثامن عشر، وكان يعمل ابيه في حرفة الخياطة، تعلم القراءة والكتابة الكنسية في اطار معرفة الكتاب المقدس ثم تعلم من اقاربه صناعة الكتابة والحساب، وتقلد بذلك أول وظيفة له عند احد المماليك، كان قلبه مفعم بالايمان ومحبة المسيح، فكان ينفق ربع راتبه في اعمال اكبر ونسخ الكتب وايقافها على الكنائس، فكان بين الحين والحين يأتى للبطريرك بكتاب ويسلمه له، فسر منه الاب البطريرك وباركة ودعا له بالتوفيق في حياته وفى ظروف غير معروفة ترك ابراهيم عمله لان المماليك كانوا قلب بطبعهم، ولما اخبر الاب البطريرك بهذا، طلب الاخير من رئيس الكتبة الاقباط ان يقبله كاتبا خاصا له، فقبله هذا الرجل، ولما توفى هذا الكبير اقر رأى الجميع على ان يخلفه تلميذه ابراهيم لما عرف عنه من الاستقامة وطهارة اليد
صار ابراهيم الجوهري رئيسا للكتبة، وبلغ اسمى رتبة كان يتطلع اليها قبطي آنذاك فبالغ في انكار ذاته واظهار تواضعه، وقدم الخير للكل دون تمييز بين مسلم ومسيحي، سفوصل خبره الى الوالي ابراهيم بك فعزز مركزه واكرمه، واختصه بثقته، فلما رأى ابراهيم الا فرصة سانحة امامه ليقدم خدمة لأمته شرع يعمر الكنائس والاماكن الخيرية، واشترى املاكا كثيرة واوقفها عليها ومازالت وتائقها موجودة الى اليوم
وقد رزق ابراهيم الجوهري بابن واحد اسماه يوسف واوقف على اسمه وقصته كبيرة الا ان الرب اختاره الى جواره وهو شاب في مقبل العمر، وكانت وفاته ليلة زفافه اذ وهو في وسط محبيه الذين دعاهم لليلة الزفاف ان همس احد الخدم في اذنه بوفاة ابنه، فكانت صدمة له ولزوجته، حتى كادت زوجة تحسن اما هو فكان اكثر تجملا، وكانت الكنيسة تصلى من اجل تعزيته، فظهرا القديس انطونيوس لزوجته في حله وعزاها وطلب منها الكف عما تفعله، فلما اروت اليهم لزوجها تعزيا معا
الا ان ابراهيم اغلق الدار التي كان قد حضرها للفقيد بما احتوته من منقولات جديدة كان قد اعدها لبيت الزوجية، وكسر السلم الموصل اليه
لما أشتد ظلم الواليين ابراهيم بك ومراد بك ارسل السلطان العثماني حسن باشا قبطان لقاتلهما، وفعلا انتصر عليهما ولاذا بالفرار الى سعيد مصر، واخطر المعلم ابراهيم الجوهري الى مرافعتهما، فلما صادر حسن باشا املاكها صاق معها املاك المعلم ابراهيم وامر بإحصاء ما اوقفة على الكنائس، وبسبب اختلال الاحوال وعدم ائتمان الناس على اموالهم وارواحهم نتيجة هذه الحرب وظاهرة المصادرات، اختصت زوجة المعلم ابراهيم في بيت حسن بك لتخدا على بك امين الحساب الذي كان زوجها عليه واثر كثيرة، الا ان العثمانيين قبضوا عليها وارغموها على ان تخبرهم اين زوجها واين يخبئ امواله فدلتهم عليها واخرجوها فإذا هي اموال من ذهب وآواني من ذهب وفضة فأخذوها وباعوها، ووشى بعضهم على مكان المعلم ابراهيم فذهبوا اليه وقبضوا عليه واستولوا حتى على فراشه وامتعته واثوابه واثوابها الى حسن باشا فباعها بالمزاد الذي ظل لعدة ايام
الا انه لما عاد الحكم الى يد ابراهيم بك ومراد بك وعادا من الصعيد رجع معهم المعلم ابراهيم الجوهري، وكان هو الوحيد من الاقباط الذي نجا من اضطهاد حسن باشا، وتمكن بحسن سياسته ان يحفظ لنفسه مركزه في اعين المصريين جميعا مسلمين واقباطا ، وارتقى ثانية لدرجة عظيمة واستأنف جهاده في افتقاد الكنائس والفقراء والمساكين حتى انه لم يكن يعتبر ماله ملكا خاصا به، بل كان يعرفه في كل عمل خيري، وللان توجد كنائس كثيرة كان قد شيدها هذا الرجل العظيم، كما كان متهما بأحوال الرهبان الذين كان يرسل اليهم كل ما كانوا يحتاجونه، ولا يزال الترمس باقيا مما كان يرسله ابراهيم اليهم في بعض الاديرة، وهذه الكنيسة الكبرى بكل أوقفها في الازبكية تشهد بذلك
من مآثر هذا الرجل:
تروى عن هذا الرجل وآثره كثيرة، فحدث ان اخاه المعلم جرجس الجوهري كان يركب حصانه ويسير في احد الشوارع، فأهانه احد الشيوخ، وشتت الاهانة على نفسه، فشكى لأخيه المعلم ابراهيم بما حدث له وطلب منه ان يعاقب ذلك الرجل فوعده بذلك، ولما استدل المعلم ابراهيم على منزل هذا الرجل ارسل اليه كمية كبيرة من الهدايا والأطعمة المختلفة دون علم اخيه، وافهم الخادم ان يعلم هذا الشيخ ان هذه الهدايا من المعلم ابراهيم شفيق المعلم جرجس الجوهري، فلما مر المعلم جرجس مرة اخرى على هذا الرجل، انتفض واقفا اجلالا واحتراما له، وابدى الترحيب كله، فتعجب جرجس من هذا وسأل اخاه، فأهمه ما فعل وقال " ان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه، فانك بذلك تجمع حجر نار على رأسه " (رو 12: 20)
وذات مرة جاءت ليلة عيد واذا بزوجة احد مشاهير المعلمين هو المعلم فانوس الكبير انتها امرأة وشكت سوء حالها، اذ كان زوجها في السجن واولاده يبكون لعدم وجوده معهم في هذا اليوم الكبير، وقد يحكم عليه بالاعدام، فأرسلت زوجة المعلم فانوس كل ما تحتاج العائلات في الاعياد الى بيت هذا الرجل المسجون بل ارسلت من اعلم زوجة بأن تستعد بكل هذه اللوازم لان زوجها سيكون في بيته الليلة
ولما جاء المعلم فانوس الى بيته ليلا عيد خروجه من الكنيسة لم يجده مضيئا كالعادة فانه هش لذلك، بل وجد زوجته حزينه، ولما عرف ما وصلها من ابناء المعلم المسجون وقالت له زوجة أيليق ان نفرح نحن وتلك الاسرة باكية وعائلها مطروح في السجن، فإن كنت تريد ان تسعد بالعيد فلتسمع لاطلاق سراحه، فأجاب حي هو اسم الرب ليكن لك ما تريد، وذهب مسرعا الى المسئولين، وتمكن من استصدار عفو عن الرجب الذي عاد الى بيته لتعود معه البهجة الى بيته وبيت المعلم فانوس كذلك ولما كان هذا الامر قد استقر مدينه طوال ليلة، فقد استغرق في لأمة ولم يستيقظ كعادته يوم العيد ليقدم التهنئة الى البطريرك مع المعلم ابراهيم الجوهري، فلما ذهب اليه وعلم منه السبب، حزن جدا كيف لا يشاركه هذا العمل الجميل وينفرد هو بالاجر وحده ولما حكما البطريرك في الامر قال البطريرك للعلم ابراهيم: لا تحزن ان كان فانوس قد اطلق سراحه فعليك انت ان توجد له عملا
وبشكل عام كان ابراهيم الجوهري مثالا للحبة والعطاء والاحسان، ارسله الله ليكون علامة في المجتمع المسيحي، كما كان مثالا للاحتمال خصوصا في وفاة وحيده ليلة زفافه،
ومات المعلم ابراهيم الجوهري سنه 1209 ه فكان لموته رنة اس وحزن كبيرين ورثاه كل من عرفوه من اكليروس وعلمانيين.

القديس الأنبا ابراهيم الأسقف

يدعى الأسقف إبراهيم أو ابراميوس Abraames, bishop of Carrhae. تحتفل الكنيسة الغربية بعيده في 14 من شهر فبراير؛ حياته تعلن وحدة الحياة المسيحية دون ثنائية، فقلبه النقي يميل إلى العبادة بلا حدود، يحب الوحدة ليلتقي بعريسه السماوي، دون انغلاق نحو النفوس مقدمًا حياته مبذولة من أجل الكرازة بالحق. ولد ببلدة Cyrrlus بسوريا، تاق لحياة التكريس للعبادة فعاش كمتوحد، وكان قلبه يزداد غيرة على خلاص كل نفس، لهذا التزم بالحب أن ينزل إلى قرية بجبل لبنان كل سكانها وثنيون. وفي اتضاع عمل كبائع فاكهة حتى يقدم حبًا لكل من يلتقي به، وإذ اكتشفوا أنه مسيحي أساءوا معاملته جدًا وصاروا يقاومونه .... لكنه احتملهم بصبره ووداعته. بالكاد خلص من موت كانوا يعدونه له، وفي محبته لهم كان يقترض مالاً ليدفعه لجابي الجزية ليفتدي الفلاحين الذين يتعرضون للسجن بسبب عجزهم عن الإيفاء بالجزية، فربح القرية كلها، وأقام معهم ثلاث سنوات يعلمهم ويتلمذهم فأحبوه جدًا وتعلقوا به، ولكنه في حبه للوحدة دبّر لهم سيامة كاهن وانطلق إلى البرية. سيامته أسقفًا لم يكن ممكنًا أن يبقى كثيرًا في البرية فقد توافد الكثيرون إليه يطلبون إرشاده، وأخيرًا سيم أسقفًا على Carrhae بالمصيصة "ما بين النهرين"، فكان الأب الروحي الأمين في التزاماته الأسقفية مع سلوكه بحياة رهبانية زاهدة حتى تنيح عام 422 م في القسطنطينية، إذ قيل أن الإمبراطور ثيؤدوسيوس الصغير كان يحبه جدًا ويكرمه فاستدعاه إلى العاصمة وأكرمه، وقد احتفظ بثوب له من المسوح كان يرتديه الإمبراطور في أيام معينة تكريمًا لهذا الأب.

ابراهيم بك نخلة

يعتبر إبراهيم بك نخلة وأخوه صالح نخلة من أبناء الكنيسة المشهود لهم في القرن التاسع عشر لما قدماه من خدمات جليلة في الإسكندرية.
نشأته:
والدهما المعلم نخلة إبراهيم كاتم أسرار السيد شريف باشا الكبير والمشرف على أعماله، اهتم بتربية أولاده وتعليمهم. التحق ابنه إبراهيم بإدارة شئون الرجل الثري الشهير الكونت زغيب الكبير بالإسكندرية، والتحق أخوه صالح بخدمة القطاوية بالإسكندرية حيث شغل وظيفة باشكاتب البنك القطاوي، تركها ليلتحق بدائرة الأمير فاضل باشا كرئيس للحسابات، بعدها التحق كرئيس لحسابات الدائرة البلدية، ثم انتقل بعد ذلك رئيسًا لحسابات الدائرة البلدية. اهتماماته الكنسية اهتم الأخان بتشييد كاتدرائية كبرى على مقبرة القديس مارمرقس مع بعض أراخنة الإسكندرية، كما قاما ببناء مدرسة كانت الأولى من نوعها، احتلت المكانة الأولى بين مدارس الإسكندرية، إذ لم يكن بالمدينة مدرسة مصرية أخرى سوى مدرسة رأس التين الأميرية.... وكان وزير المعارف يحضر احتفالها السنوي. قام الأخان بتعديل مبنى دار البطريركية. كان البابا ديمتريوس الثاني والبابا كيرلس الخامس يشملان الأخين بعطفهما وبركتهما، ويشجعانهما على الخدمة، وقد عين البابا كيرلس الخامس إبراهيم ناظرًا على الأوقاف المرقسية ومدرستها وأخاه صالح نخلة ناظرًا على الكنيسة المرقسية. وإذ مات الأخير عام 1887 م اسند البابا كيرلس عمله لأخيه. كان لإبراهيم الدالة لدى البابا والمجلس الملي، لهذا عندما حدثت أزمة بينهما قام بمصالحتهما. مات يوم 14 إبريل 1906 م في فجر سبت النور، وكان قد أعد مواد البناء لإقامة معهد علمي بأرض المرقسية.

القديس ابراميوس

قدم لنا القديس بالاديوس أمثلة رائعة لقديسين عظماء خاصة من مصر، لكنه أيضًا قدم لنا سيرة أبراميوس أو إبراهيم Abramius حتى ندرك حرب الشياطين المستمرة حتى ضد الرهبان والنساك مهما بلغوا من حياة نسكية. عاش ابراميوس في البرية في حياة نسكية شديدة، وكان قاسيًا جدًا على نفسه، لكن عدو الخير ضربه بالكبرياء والغرور .... فجاء يومًا إلى الكنيسة وأراد أن يمارس العمل الكهنوتي، فتعجب الحاضرون لأنه ليس بكاهن. أما هو فقال لهم: "لقد سامني المسيح بيده كاهنًا الليلة الماضية". عندئذ أدركوا سقوطه، فألزموه بترك البرية وصاروا يرعونه طالبين منه الاعتدال في الحياة النسكية حتى شفي مكن كبريائه وتشامخه، وبهذا أنقذوه من سخريات الشيطان بإدراكه لضعفه. هنا نود تأكيد اهتمام الآباء النساك بالحياة الداخلية التقوية، خاصة الاتضاع .... لأن ممارسة النسكيات بلا تقوى تُفقد الإنسان حياته بالكبرياء والتشامخ.

القديس ابرام تلميذ شيشوى

إبرام أو إبراهيم تلميذ شيشوى Sisoes التبايسي يمثل الراهب الذي يحيا في حياة الرهبنة بروح التلمذة والطاعة مع النمو الدائم في المعرفة. له أكثر من حوار ورد في بستان الرهبان نذكر بعضًا منه في سيرة القديس شيشوى إن شاء الرب. جاء في بستان الرهبان: ذهب أبا إبراهيم (غالبًا تلميذ شيشوى) إلى أبا أريوس (غير أريوس الهرطوقي)، وإذ كانا جالسين جاء أخ آخر إلى الأبا يسأله، قائلا: "خبرني ماذا أفعل لأحيا؟". قال له: "امض واقض الأسبوع كله تجدل سعف النخيل وتصنع حبالاً، وتأكل خبزًا وملحًا مرة واحدة في الغروب، ثم تعال إلىّ فأخبرك ما تفعله". مضى الأخ وفعل كما أخبره، وإذ سمع الأبا إبراهيم بذلك تعجب. انتهى الأسبوع وجاء الأخ ثانية إلى الشيخ أريوس، وحدث إن كان أبا إبراهيم حاضرًا. قال الشيخ للأخ: "اذهب وامض الأسبوع كله صائمًا، تأكل مرة واحدة كل يومين". (جاء في بعض النسخ سنة وليست أسبوعًا). إذ مضى الأخ قال أبا إبراهيم لأبا أريوس: "لماذا تقدم وصايا سهلة لكل الأخوة الآخرين، أما هذا الأخ فتقدم له حملاً ثقيلاً؟? عندئذ قال له الشيخ: "يأتي الأخوة الآخرون ويسألون وحسب سؤالهم يأخذون ويرحلون، أما هذا الأخ فيأتي من أجل الله ليسمع كلمة منفعة، وهو إنسان عمّال، وما أقوله له يتممه بحرص واجتهاد". [ هكذا اتسم الآباء بالحكمة والتمييز فيقدمون لكل إنسان قدر قامته، كما اتسم الرهبان في تلمذتهم للآباء الشيوخ على السؤال لنوال خبرة التمييز والحكمة فالطاعة لا تعني مجرد تنفيذ الأوامر بلا فهم أو إدراك ]. حدث دفعة أن إبراهيم تلميذ أبا شيشوى جربه الشيطان، وإذ رآه الشيخ ساقطًا للحال بسط يديه نحو السماء، وقال لله: "ربي لن أتركك تذهب حتى تشفيه"، وللحال شفى إبراهيم. [ صورة رائعة للأبوة الحانية، فعوض توبيخ تلميذه على ضعفه، بإيمان بسط يديه يصارع مع ربه ولا يتركه حتى يشفي له تلميذه ويقيمه من التجربة ].